تنتقل مجموعات الحراك هذه الأيام الى مراحل جديدة في انتفاضتها على السلطة، في موازاة تعزيز للروح مع تحقيق المخاصمين للمنظومة الحاكمة إنتصارات ملحوظة في الانتخابات الجامعية وآخرها ما تحقق في «اليسوعية» قبل أيام.
ففي تلك الجامعة، ورغم التفاؤل بتحقيق «النادي العلماني» والمستقلين في ظل أجواء الانتفاضة في البلاد، تقدما في عرين الأحزاب اليمينية وعلى رأسها «القوات اللبنانية»، فإن ما حصل من فوز تعدى الإطار التقليدي للمرة الاولى في الجامعة.
ولعل مسار العمل السياسي في الجامعة كان قد بدأ منذ سنوات بالنسبة الى هؤلاء الطلاب ومجموعاتهم في الانتفاضة التي كان بعضها نزل الى الشارع حتى قبل تاريخ 17 تشرين. ومع تمخض النتائج في «اليسوعية» عن تراجع دراماتيكي لقوى «8» و»14» آذار، فقد عكس الأمر إختلالا في تحالفات تلك القوى نتيجة الزخم الشعبي للانتفاضة من ناحية، وانعكاس الانقسامات وفقدان الثقة بين بعض أركان الحكم على الانتخابات من ناحية أخرى، ما ترك فراغا في هذه الناحية.
اللافت للنظر كان الوعي السياسي الكبير لدى الشرائح الطلابية التي غذت في أحيان كثيرة الثورات الطلابية في العالم. وهو فوز تحقق في ظل حملة هي الاكبر للمستقلين عن السلطة رغم دعمهم في بعض الاماكن من قبل احزاب في الحكم بالاصوات، في مواجهة حملة مواجهة طائفية وترهيبية ووصم المستقلين بأنهم واجهة لليسار ولـ«حزب الله» وهو ما يجافي المنطق.
وفي ظل شعارات أخذت قلوب الطلاب من دولة العدالة والديمقراطية والعلمانية والتقدمية، فإن الاجواء العامة للطلاب الفائزين تبحث في تأمين البديل الجدي عن المنظومة الحاكمة، حسب أدبياتهم وهو التحدي الكبير اليوم في موازاة النضال الشعبي خارج الجامعة والذي سيتخذ في الايام المقبلة أشكالا متعددة.
أول تلك الاشكال هو الاستمرار في النضال وفرض حالة رأي عام رافضة لإنهاء أجواء «الثورة». ثانيها توحيد الجهود المقبلة وثمة بحث باجتماع مقبل بين مجموعات كثيرة لإقرار الخطوات المقبلة سواء كانت خطوات في اتجاه السلطة القضائية أو في اتجاه رموز أخرى، ويريد البعض إعلان ذلك عبر مؤتمر صحافي توضيحي حول التحركات الشعبية على الارض. ثالثها البحث منذ الآن عن كيفية التنسيق تحضيرا لاستحقاق الانتخابات النيابية المقبلة بين من يريد انتخابات مبكرة لا فرق كونها على اساس القانون الحالي أو غيره، ومن يريد انتخابات تغييرية حقيقية تنبثق عن قانون جديد أكثر عدالة يحقق التغيير المنشود.
يتفاءل الناشطون والطلاب، وهم ليسوا على هوا سياسي واحد، بمستقبل الانتفاضة وباتوا يرفعون شعار تخفيض سن الاقتراع للسماح بخرق الطبقة السياسية الحالية، كما يجمع هؤلاء على شعار الدولة المدنية التي يتداخل مفهومها أحيانا مع العلمانية..
لكن الناشطين المعبئين بالحماس يرون في ما حدث في «اليسوعية» بداية التغيير «الذي سيشمل غدا المجلس النيابي».
إصابات لدى الناشطين
وأمس، تحرك الناشطون كما كان مقررا في اتجاه العدلية حيث اعتصموا برغم عددهم غير الكبير. لكن لسان حالهم أن العبرة ليست بالاعداد كون الاهم الاستمرارية، وكانت المناسبة هي مرور أربعة أشهر على كارثة إنفجار المرفأ.
وطرحت أسئلة جوهرية حول مصير التحقيق القضائي ورفض المجلس العدلي كونه بات مقبرة العدالة وآلية للتمييع والمماطلة والمراوحة لغايات المراهنة على النسيان وقصر الذاكرة.
وتوجه الناشطون الى المحقق العدلي القاضي فادي صوان، رافضين المظلات والحمايات السياسية إذ «تم الإكتفاء بمن جرى توقيفهم دون إستكمال التوقيفات حتى أعلى المواقع المتورطة ولو بعدم الفعل بهذه الجريمة الوطنية، وهو ما ثبت حتى بمعرض التعامل مع الموقوفين والسعي لإطلاق سراحهم بشتى الوسائل».
وتوجهت الانتقادات من قبل حملة «القصاص الآن» التي نظمت التحرك، الى صوان بعد إقراره «أن هناك وزراء متورطون» ولكنه تذرع بعدم صلاحيته لتوقيفهم ومحاكمتهم، قاذفا كرة اللهب في اتجاه السياسيين ونحو «مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء» المعطل منذ سنوات .
وإزاء جريمة كهذه، يؤكد الناشطون أنهم لن يسمحوا لهذه المنظومة الفاسدة بذبح الشعب مرتين، وفي بيان انتقوا كلماته بدقة، طالبوا بإجراءات لإثبات الجدية والنوايا الصادقة، عبر إحالة الجريمة من المجلس العدلي الى القضاء العدلي وعدم حصر حق المتضررين بالإدعاء عند قاض واحد .والسير بالتحقيق الى أعلى المواقع مهما كانت الحصانات القانونية نظرا لخصوصية هذه الجريمة بإعتبارها جريمة دولة وجريمة ضد الإنسانية، التي تسقط أمامها كل الحصانات حتى لو أضطر الأمر إلى القيام بتعديلات قانونية في مجلس النواب .
سار الناشطون عصرا في إتجاه المرفأ، هاتفين بأنهم سيستمرون بمتابعة التحقيق حتى تحقيق العدالة والقصاص الحتمي لكل المتورطين مهما علت مواقعهم، طالبين من المحقق العدلي بمصارحة الشعب اللبناني بكل مجريات التحقيق والضغوط والتدخلات الحاصلة.
ثم قام الناشطون بتحرك يحمل دلالات كبيرة في وجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد حديثه الاخير قبل أيام. وتم انتظار سلامة الذي وجه إليه المتظاهرون الشتائم والذي تردد بأنه تواجد في منطقة كليمنصو وتحديدا في «المعهد العالي للأعمال» «ESA». وحصل صدام بين المتظاهرين وقوى الأمن أصيب خلاله ناشطون بينهم واصف الحركة وحتى متظاهرات شاركن في الاعتصام وسط شعار «الدولة البوليسية عم تحمي الحرامية» و«ثورة ضد الفساد ثورة ضد الزعران» و«للوطن للعمال تسقط سلطة رأس المال» وغيرها..
وهو تحرك ينذر بالمزيد في المستقبل خاصة مع تعرض الناشطين للإصابات جراء الصدام مع قوى الأمن المختلفة، وستتخذ التحركات السمة اليسارية مع مجموعات نزلت مرارا في وجه مصرف لبنان والمصارف وأهمها «مجموعة شباب المصرف».