يبدو أن السير برفع الدعم أو ترشيده كما تحاول السلطة تسميته يسير على قدم وساق، حيث بات واجباً تجرُّع هذه الكأس المرّة لأن مصرف لبنان غير قادر على الاستمرار بهذه السياسة.
لا تزال السلطة الحاكمة تحاول شراء الوقت بدولارات المودعين، بينما الحقيقة أن كل ما يثار عن تطويل أمد الدعم لا يعدو كونه مسكنات لن يكون مفعولها طويلاً.
وفي هذا السياق، فان الأزمات الإجتماعية والإقتصادية ستقع الواحدة تلو الأخرى وستتفجر لتفجّر معها غضب الشارع الذي بدأ يتحرّك ولو بشكل خجول مع الحديث عن قرب إنفجار ثورة إجتماعية من نوع ثورة الجياع.
وترصد الأجهزة الأمنية التحركات على الأرض إذ إن شكلها لا يزال في إطار المجموعات التي كانت تتحرّك منذ 17 تشرين 2019، تُضاف إليها مجموعات أخرى في مناطق الأطراف، لكن هذه المجموعات ليست هي من تفعل الفرق إنما تحرُّكها أمام المواطنين سيفتح الباب واسعاً لتحركات شعبية على نطاق البلد، مما سيصعب مهمة إحتوائها.
ويبدو أن المحروقات هي من ستلهب الشارع مثلما فعل “الواتساب” في 17 تشرين، من هنا لا تزال السلطة ممثلةً بالحكومة المستقيلة تحاذر رفع الدعم ضربة واحدة لأن هذا الأمر هو بمثابة صدمة للمواطنين، إذ إنه من الصعب القول للمواطن إن سعر صفيحة البنزين إرتفع من 25 ألف ليرة لبنانية إلى 80 ألفاً، أو بات سعر ربطة الخبز 10 آلاف ليرة بدل 2000 ليرة، أو إن سعر علبة دواء ما إرتفع من 50 ألف ليرة لبنانية إلى 300 ألف.
وبينما تدرس اللجان وتتكثف الإجتماعات في السراي لتصويب ملف الدعم، فان الأنظار تتجه إلى الشارع، وحتى الساعة فان السلطة ترى أن غضب الشعب يبقى ضمن إطار المعقول ويمكن إستيعابه لأنها تحاول تجريعه سمّ رفع الدعم تدريجياً، بينما في حال اتجهت الأمور نحو الأسوأ فلن تكون العصا الأمنية هي الحلّ، أو هي الوسيلة للجم التحركات الشعبية.
وفي الميزان الأمني، فان التحركات ستكون تحت الإطار الشعبي، وهنا يواجه قادة الأجهزة الأمنية مهمة إقناع العناصر بضرورة تنفيذ أوامر السلطة على الأرض، لأن القادة الأمنيين يحرصون أولاً على صورة مؤسساتهم وهم غير مقتنعين بجدوى القمع، كذلك فان العناصر الأمنية على الأرض تعاني مثلما يعاني أي مواطن عادي، فيما تركيبة الأجهزة اللبنانية مختلفة تماماً عن دور وتركيبة الأجهزة في الدول المجاورة، والتي تستعمل قوتها من أجل قمع شعبها.
ومن ناحية ثانية، فان الأمنيين يعرفون جيداً ان العين الإقليمية والدولية مفتّحة على لبنان وتأتي في الطليعة العين الأميركية، لذلك فان العقوبات ستكون في المرصاد لمن يريد أن يقمع الشعب، وهذا الأمر يدخل كمعطى أساسي في السياسة اللبنانية خصوصاً انه لم يعد هناك أي سقف للعقوبات الأميركية بعد فرضها على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل والوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل.
لن تكون العصا الأمنية هي الحل في مواجهة مطالب الناس المحقة خصوصاً ان الجائع والذي يعاني من أزمة إجتماعية وإقتصادية لا يمكن ضبطه أو تهديده، فهو يعتبر نفسه أنه سيموت من الجوع، لذلك فان هذه العصا ستكون عاصية عن لجم تحركات الشارع إن حصلت، وبالتالي يبقى الأساس ماذا سيفعل الناس هل يستمرون في السكوت والصمت أو سينتفضون مجدداً؟