Site icon IMLebanon

“تحالف وطني”: ثورة أم ثورة مضادّة؟

 

علّمتنا الثورة، يوم كان “تحالف وطني” في طليعتها، أنّ الفساد السياسي هو أصل البلاء، وأنّ أيّ حلّ لمشكلاتنا الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والتربوية والبيئية والصحّية، أو لأزمة الرغيف والبورصة والمواصلات وقطاع الاتصالات والقروض والسدود والحدود، لا يمكن أن يكون إلا حلّاً سياسياً في البداية، وتأتي بعدها معالجات تفصيلية في كلّ مجال على حدة.

 

منذ اليوم الأول لانطلاقتها، جعلتنا الثورة نحفظ عن ظهر قلب أنّ الإصلاح تحت سقف الدستور أمر مطلوب من حكومة شرعية، أي من حكومة يتمّ توقيع مراسيمها بناء على الدستور، حتّى لو لم تكن حكوماتنا مسؤولة فحسب عن المديونية وهدر المال العام، بل قبل ذلك أيضاً عن انتهاك أهمّ بندين في الدستور، الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية، فأمر الإصلاح منوط بالحكومة.

 

لهذا كلّه ولسواه من تفاصيل الفساد السياسي والمالي والإداري، كان مطلب الثورة الأول إسقاط الحكومة، وأسقطتها مرّتين. في المرّتين، تحايلت سلطة الفساد وتهرّبت من ولوج باب الإصلاح. الثورة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والجامعة العربية ومصر ودول الخليج العربي، وألمانيا والرئيس الفرنسي والمجموعة الأوروبية والأمم المتّحدة ومجلس الأمن وإجماع في الكرة الأرضية والإنس والجنّ، على أنّه لا خلاص للبنان من أزماته من دون إصلاحات سياسية تنجزها الحكومة.

 

فريقان يتجاهلان هذا الإجماع. الأوّل، المسؤول عن الانهيار، يتفادى تنفيذ الإصلاحات حتى لا يدين نفسه، بل يعمل عكسها فيُمعن في التدمير ويغوص في مماحكات دستورية “على جثّة الدستور” ويهرب من مواجهة المشاكل الداخلية مُتذرّعاً بالصراعات الدولية والنزاعات الإقليمية، ويتلهّى بحروب دونكيشوتية وهمية. هذا الفريق تحايل على الحلّ بحكومة الدمى في المرّة الأولى، وهو يتهرّب في الثانية بعرقلة تشكيلها. هذه حقيقة لم تعد تحتاج إلى نقاش وصارت من البديهيات.

 

الفريق الثاني لا يكتفي بتجاهل ذاك الإجماع، بل يتجاهل هذه الحقيقة، فيتسلّى، خلال وقت “كورونا” الضائع، بمعارك جانبية، من بينها التصويب على حاكم البنك المركزي. حتى هذا “الحاكم بأمره”، الحكومة هي المسؤولة عن محاسبته كما عن تعيينه وعن إقالته، أما محاكمته فهي مسؤولية القضاء لا الثورة. المسؤولون عن الانهيار يعملون على تبرئة أنفسهم، فهل يساعدهم “تحالف وطني” بإبعاد الشبهات عنهم؟

 

أسباب انهيار العملة الوطنية باتت واضحة. ما الذي جعل الحاكم قادراً على تثبيت سعر الصرف ربع قرن من الزمن، وما الذي يجعله اليوم عاجزاً عن ذلك؟ قرأنا في الصحف تقريراً للحاكم نبّه فيه الحكومة إلى أنّ لبنان استورد من المشتقات البترولية في الأشهر الستة الأولى من عام 2018 ضعفي ما كان يستورده على مدار العام في السنوات السابقة. نعم، المسؤول عن تهريب المواد المدعومة، بما في ذلك الأدوية إلى مصر وتركيا والمواد الغذائية إلى الكويت، وتهريب العملة الصعبة والمشتقّات البترولية إلى سوريا وربّما إلى إيران أيضاً، هو المسؤول عن انهيار الليرة.

 

أما المديونية فهي من مسؤولية الحكومة أيضاً. لا يستدين إلا من هو قادر على السداد. رفيق الحريري استدان واستثمر بالأموال في إعادة الإعمار. وحين لا تكون الاستدانة بهدف الاستثمار فهي للسرقة، وهل من شكّ في أنّ ثلث الدين العام هو على الكهرباء، ولا كهرباء؟

 

“تحالف وطني” من طلائع الثورة. لكن تصويبه دوماً على المكان الخطأ قد يضعه في صفّ الثورة المضادّة.