IMLebanon

الأحزاب مع الثورة أم ضدّها؟

 

تحيلك كلمة “اشتراكي” إلى وليد جنبلاط والطائفة الدرزية قبل الحزب. هذه حقيقة قد تسعد البعض وتزعج آخرين، لكنّها ظاهرة موجودة تجعل الحكم على مواقف الحزب أمراً شائكاً ومعقّداً. فهل ما زال حزباً “اشتراكياً” على الصورة التي رسمه فيها كمال جنبلاط، فيه نخبة من كلّ الطوائف والمناطق، أم أنّه صار درزياً فحسب، أم حزب المختارة وحدها؟

 

وليد جنبلاط زعيم الحزب بلا منازع، ولم يترك لمنافسيه في الطائفة إلا الفتات، حتّى كاد يختصرهم بشخصه. لكن ولاء الطائفة للزعيم لا يعني بالضرورة ولاء للحزب. والعلاقات بينهما لا تقاس دوماً بالطواعية والولاء بل أحياناً بعكسهما، وهذا بعض من علاقة الجمهور الدرزي والاشتراكي بالثورة. هو شارك في أنشطتها كما في إحراق خيمها.

 

لم يكن هذا أمراً مستجدّاً. فقد سبق لهذا الجمهور أن شارك تكراراً وبفعالية في كلّ مناسبات الرابع عشر من آذار حين كان يدعوه وليد جنبلاط، وشارك أيضاً عندما دعاه الى مقاطعة إحدى مناسباتها ولم يمتثل. دور الحزب الطليعي بين أحزاب الحركة الوطنية لم يحل دون مقتل شيوعيين مسيحيين على يد مقاتلين من الدروز في معركة الجبل. والمبادئ العلمانية لم تحل دون وقوع مجازر طائفية بعد اغتيال كمال جنبلاط. وليد جنبلاط يرى في نبيه برّي أفضل الحلفاء، وحرب العلمين علامة دموية في تاريخ العلاقة مع حركة “أمل”. حتّى أنّ بعضهم يتّهمه بالتقلّب بالمواقف من غير معيار ثابت.

 

المقياس الصالح للحكم على علاقة “الاشتراكي” بالثورة موقفه من الدولة ومن الحرب الأهلية. يكاد وليد جنبلاط يكون الوحيد، الوحيد إطلاقاً، الذي قلب صفحة الحرب الأهلية بلا تردّد بقرار حازم وحاسم وواضح، عبّر عنه من خلال المصالحة مع البطريرك صفير والتعاون مع حزبي الكتائب و”القوات” في الانتخابات النيابية، ومن خلال دفاعه القويّ عن السيادة الوطنية في مواجهة أي تدخّل خارجي، ولا سيما السوري في الشأن اللبناني. ويكاد يكون الوحيد الذي جعل الدولة مرجعيته لحلّ أزمات الوطن المستعصية، وهذا ما أثبتته حوادث وأحداث دموية كثيرة كان يصرّ على حلّها عبر الدولة.

 

الموقف من الدولة ومن الحرب الأهلية مقياس سليم للإنتساب إلى ثورة أصرّت على بقائها تحت سقف الدستور، لكنّ الثورة تعاملت مع هذا الطلب المضمر بتحفّظ شديد، أولاً، لأنّ الحزب انكمش حتّى حدود الطائفة أيام جنبلاط الإبن بعدما كان والده قد أدخل الطائفة والحزب في الفضاء الوطني والقومي، وتحوّل معهما رمزاً يسارياً تقدّمياً لبنانياً وعربياً وعالمياً. ثانياً، لأنّه واحد من مكوّنات السلطة المسؤولة عن الأزمة وينطبق عليه شعار كلّن يعني كلّن.

 

جنبلاط وآخرون من المسؤولين لم يعترضوا على هذا الشعار ولا على الاحتكام إلى القانون، لكنّ الثورة، أو بعض مكوناتها من المغامرين، تجاوزت الالتزام بدستورية الثورة، وشكّلت محاكم ميدانية، وأطلقت استناداً إلى الشعار حكماً مبرماً بإدانة الجميع، بدل المطالبة بإخضاعهم للمساءلة والمحاسبة أمام القضاء.

 

حرق الخيم في عاليه ومواجهة الثورة في بقعاتا يندرج في سياق الفهم المغلوط لهذا الشعار، إذ رأى المتشدّدون من المحازبين أنّ الثورة تصوّب على المكان الخطأ إن هي استهدفت الحزب الإشتراكي وزعيمه ومنطقته. هذا ليس تبريراً لأخطاء فادحة بحقّ الثورة، بل دعوة الى البحث عمّا يشد أزرها ويوسّع صفوفها ويدعم مسيرتها، دفاعاً عن السيادة والدستور ودولة القانون.