ما هو مصير الحراك بشكله الحالي ؟
شكلت أصوات المحتجين التي استمع اليها اللبنانيون علامة راسخة في ضمير الناس وعقولهم، واليوم بات مؤكدا أن السلطة صارت بنتيجة كل ذلك معزولة معنويا عن الشعب فهي اليوم في مكان والشعب في مكان آخر.
وبالتالي فإنه لا أحد في لبنان من عامة الناس يقرأ في كتاب السلطة، وربما لا أحد يقرأ في كتاب الموالاة والمعارضة، فالجوع والفقر والعوز وبوادر اختفاء الطبقة المتوسطة التي لا تحتاج إلى مساعدة تطغى لتشكل حالة انفصال كامل بين الشعب والحكم، فثمة أوراق تين لا تزال تبقي على مواقف المنضوين في التيارات والأحزاب كافة وعلى شيء من الصمت في العلن، ولكن الموقف اللبناني الجامع يجمع كل الفئات على الإقرار بشمولية الخسائر، يعني أن كل الفئات في لبنان ظلمت وأفقرت وسرق مالها العام ثم مالها الخاص.
وتقول مصادر مراقبة انه لا يختلف اثنان على صوابية وأحقية المواقف التي يتخذها الحراك، ولا على صدق صرختهم وما يدلون ويرفعون به الصوت في كل موقع يحتشدون فيه ويصرخون وجعا وقهرا وظلما وتظلما، وهذا أمر بديهي، إنما المتحول في كل مرة دخول الاحزاب على خط الحراك ليشكل نكسة مركزية تماما كالذي حصل بالأمس من تداعيات خلقت عداوة الى حد الاقتتال بين قاطعي الطرق على قلتهم وبقية الشعب الذي إصطفت سياراته من الدورة على الاقل الى مداخل طرابلس !!
وبالتالي، تبين أن الناس قد إختنقوا ليس من الوباء والغلاء والدواء فحسب إنما من تصرفات «صبية» لا يصل عددهم الى خمسة أشخاص يدخنون السجائر والأركيلة مع وقاحة زائدة تجاه من يحاول العبور، تماما كما كان يحصل على معابر الذل في الحرب الاهلية ! وما زاد من صورة سواد تصرفات المحتحين، عدم الإكتراث حتى بالصليب الاحمر حيث منع الاخير من نقل المرضى الى المستشفيات خصوصا مع الصور التي وزعت على وسائل التواصل الاجتماعي مما خلق نقمة عارمة الى حد الاصطدام مع المواطنين.
وتتساءل المصادر عن مستقبل الحراك بشكله الحالي في لبنان؟ هل ان القائلين بأن الثورة تنطلق ولا تتوقف إلا بعد أن تأخذ كل الفاسدين إلى البحر وان ما يحصل حاليا من فورات متقطعة لا يمكن ان يكون ثورة ويشكل تغييرا في مشهد الفساد العام المتحكم بالبلاد والعباد.
واقع الحال ان الدولة في حالة عجز، تضيف المصادر، وان وارداتها تتراجع يوما بعد يوم، مع ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك في ظل ظاهرة طبع الأموال بلا سند حقيقي من تضخم كارثي على الواقع اللبناني، ولبنان في جمود مع الثورة ثم مع كورونا والآن قطع الطرقات يعني محاصرة الاسواق التي تعيش على الفتات، فهل يستحضر «الثوار» هذه التفاصيل؟.
لا يبدو في الافق ما يبشر بمسار إحتجاجي مثمر ما دامت الحزبية والطائفية والسياسة تتحكم برقاب الناس خصوصا أن «الثوار» منقسمون على الأرض وتقاتلوا في بعض الأماكن، فئة حزبية تسعى إلى محاصرة بعض من في السلطة وهذه الفئة عندها مشروع سياسي بديل، وفئة ممسوكة من قوى محلية معروفة، وفئة الزمها المّر بخيار الأمر في الشارع، وفئة عندها طروحات معينة كالزواج المدني والأحوال الشخصية وحقوق الأم اللبنانية وغيرهم ، فكيف يمكن جمع كل هذه التناقضات الجوهرية بمركزية قرار الاحتجاج دون الضغط على الناس الذين هم في الاساس نصفهم جائع والنصف الاّخر أمواله صودرت أو تمت سرقتها ؟
وتختم هذه المصادر بالقول أن الجميع عنده مطالب، وما يحصل أن السلطة المستهدفة طرشاء وعاجزة وردودها المتتالية على التحركات تظهرها كأنها تعيش في واد آخر، بمعنى انه لن يكون هناك نتيجة قريبة للحراك إلا إذا حصل الانفجار الكبير وخرج جميع المواطنين من بيوتهم لا إلى الشارع بل إلى حيث يمكن أن يحصل التغيير الكامل.