IMLebanon

ثورتان توأمان للعبور الى الدولة

 

ستدور ثورة “17 تشرين” حول نفسها كثيراً قبل ان تدرك انها في الذكرى السادسة عشرة لـ”14 آذار” تكاد تتحوّل مثلها أياماً استثنائية مميزة ومجيدة يصعب ان تُستنسخ او تُستعاد، بل يمكن أن تتجدّد بأشكالٍ تستوحي من التجربة وتتناسب مع التطورات.

 

يصعب على مَن بنى شرعيةً سياسية انطلاقاً من انتفاضة “الأيام العشرة التي هزت لبنان”، الاعتراف بأن الشعارات التي كانت صالحة لجمع الأهل والشباب من الطوائف والانتماءات كلّها وعلى رأسها “كلن يعني كلن”، باتت تحمل رائحة الذكرى مثل صور الشهداء. فالواقع يشي بغير الطموحات ويفرض مصارحة الناس بأن “حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر”، وما كان يصلح نهجاً وعناوين للثورة قبل تفجير المرفأ بالنيترات صار يحتاج تعديلاً وبرنامجاً لا مكان فيه للالتباسات.

 

ليس أمام الثورة إلا العودة الى الشارع، لكن من نافل القول انّ الثورة عجزت عن تنظيم نفسها وفقدت في أوجها فرصة تشكيل قوة جارفة تفرض تغيير السلطة. النتيجة شديدة الوضوح: إنجاز إسقاط حكومة سعد الحريري ذهب أدراج الرياح بتنصيب حسان دياب. وما تلاه من انهيار اقتصادي ومالي وتراجع في وتيرة الاحتجاجات وحجمها، سواء بسبب “كورونا” أو بفعل القمع جعل اللبنانيين يشتهون تأليف أي حكومة ترد عنهم جائحة الجوع، بدل ان تتبنى برنامج الثورة وتتمثل فيها وجوه تغيير تنقل البلاد من حال الى حال.

 

كانت لحظة 4 آب مفصلية. عجِز الانفجار عن إحياء ثورة 17 تشرين بصيغتها الجامعة رغم ضخامة الحدث ونوعية الاجرام، فتلوّنت بألوان المناطق وبُناها الاجتماعية والسياسية التقليدية مثبّتة قناعات جمهور الثورة وآخرين باستحالة بناء الدولة من دون استعادة السيادة والقرار.

 

لن يذهب نضال ثوار 17 تشرين سدى. فمطالباتهم بإنهاء الفساد واستعادة الأموال المنهوبة ووقف الانهيار وقيام دولة المواطَنة والقانون، رسخت وعياً استثنائياً لن يتوقف صداه وسيبقى ضاغطاً على السلطة لاجراء تحسينات، لكن استكمال السعي الى التغيير وإبقاء الثورة على قيد الحياة يوجبان تمييز الأصدقاء عن الخصوم والأعداء ونسج التحالفات الواقعية بعيداً من الشعبوية والعنتريات. أما التحرّر من سلطة الطغيان والمنظومة الفاسدة فترياقه عبر المطالبة بحياد لبنان وعقد مؤتمر دولي يثبت وثيقة الوفاق ويطبق القرارات الأممية بلا استثناء. وحين ترفع بكركي هذه الراية فإنها لا تصادر ثورة 17 تشرين بل تستكمل ثورة 14 آذار التي أدت غرضها بانسحاب جيش الوصاية وفرض محكمة دولية للتحقيق في اغتيال 14 شباط، لكنها قصرت عن “العبور الى الدولة ” بسبب السلاح غير الشرعي وتبعات إلحاق لبنان بمحور ايران. وحملُ بكركي الشعلة يستلهم حتماً روح الثورتين لأنهما توأمان مهما اختلف تاريخ الميلاد.