Site icon IMLebanon

ماذا تبقّى للّبنانيين من سلطة الإحباط والإنهيار؟!

 

وكأنه كُتب على اللبنانيين شظف العيش الإقتصادي والإجتماعي والسياسي. “لعنة وطن” قديمة جدية تحل عليهم ولا تبارحهم، تُمعن بالتوغل في مفاصلهم وتفاصيلهم، تخنقهم وتُطبق على أنفاسهم الأخيرة. وقد شاء سوء طالع الشعب اللبناني ان “يصارع من أجل البقاء” والتخلص من براثن سلطة جائرة حاقدة جاحدة، “تتفنن” في استغلاله وتعذيبه وسرقته “عينك بنت عينك”، والسعي لتصدير ثقافة الإحباط… والإنهيار!

 

هي أيضاً، حال من الاحتقان تصيب اللبنانيين على وجه العموم، يصفه البعض بالقنوط أو اليأس من امكان حدوث تغيير في ادارة شؤون الدولة، بما يحول دون انهيارها الكامل.

 

بين اليأس والاحتقان تدور رحى المواجهة، فالسلطة التي تستكمل تدمير مؤسسات الدولة، بعدما قضت على القطاعات الاقتصادية على اختلافها لا سيما النظام المصرفي، وجعلت العملة الوطنية في مهب الريح، يغريها تعميم اليأس بالتفنن في افقار المواطنين، لمزيد من التحكم بخياراتهم، عبر توفير ما يعتقدونه سبيلاً لاستعبادهم، فالفقر والجوع أحد ابرز سبل الديكتاتوريات لتطويع واستعباد المجتمع، فكيف اذا كانت هناك وسيلة اخرى مجربة هي الطائفية.

 

تحويل اللبنانيين الى شعب متسول وخائف، بل فاقد الثقة بامكانية التطوير والتغيير، مستعد للرضوخ الى السلطة التي تنهب المال العام، وتتصدق عليه بالفتات من ماله الذي نهبته، وهي تجاوزت مضمون هجاء المتنبي لكافور الاخشيدي حين قال فيه، “جوعان يأكل من زادي ويمسكني حتى يقال عظيم القدر مقصود”.

 

هذه السلطة التي سرقت شعبها وتدمر مؤسسات الدولة ويحتمي اطرافها بالطائفيات والحمايات الخارجية، ما زالت مقتنعة بانها قادرة على تطويع الشعب واستعباده.

 

هناك واقع آخر لا يعترف به اطراف السلطة، بل لا يريدون رؤيته او الاعتراف بوجوده، طالما ان مسار “الاستغباء” والاستعباد الذي يعتمدونه تجاه اللبنانيين، يناقض مسار الانتفاضة والثورة، اي المسار الذي يتماشى مع الانسان والمواطن والقانون والدولة، وارادة الحياة التي يختزنها اللبنانيون في تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم مهما تسيّد الموت واستأسد.

 

الاحتقان هو ما يختزنه اللبنانيون اليوم، وهم ينظرون الى وقاحة الحكام، والى الازدراء الذي ينالهم من هؤلاء حين المطالبة بحقوقهم المواطنية، وهم يرون كيف يسلبون مرتين، مرة باموال الدعم التي هي اموال المودعين، ومرة بتحويل قسم كبير من المواد المدعومة الى الخارج او الى ازلامهم ومحازبيهم.

 

ادارة الظهر لكل مسار انقاذي للدولة، يقابله استثمار في العصب الطائفي او المذهبي، غير أن ذلك لم يعد كافياً لضمان السيطرة والنفوذ، لذا انتقل اعضاء منظومة السلطة الى اعتماد وسيلة الترهيب والقمع، ويوفر السلاح او المنظومة الأمنية فرصاً للقمع، تفترق بين منطقة واخرى او طائفة واخرى. فالبيئة الشيعية هي الأكثر عرضة لهذا القمع، والأكثر احتقاناً بسبب البأس الامني والتخويني الذي يواجه الأفواه الجائعة، فبعدما وصلت “الثنائية الشيعية” الى هذا القرار بشكل صريح وعلني، كانت تعلن فشل سطوتها ليس على البيئة الشيعية فحسب، بل على الدولة والسلطة.

 

لم يعد خطاب المقاومة وخطاب التخويف من الآخر، كافياً لكم الأفواه وكتم الآراء، لذا اقتضى الانتقال الى الترهيب واستخدام المنظومة الامنية والعسكرية، لحراسة الصمت والجوع. وهذا لم يعد كافياً، فالقتل كما الاغتيال بات يُلوّح به، والاستعلاء الخبيث على الناس لم يعد مقتصراً على خطاب ايديولوجي فوقي، بل بات الاستعلاء المعيشي حاضراً بقوة، وفرضته الحاجة الملحة الى خلق استعداد لدى المحازبين، للقبض والسيطرة على حركات الناس وهمساتهم، فضلاً عن صرخات العوز والجوع.

 

ما يمكن توقعه، هو الانفجار الاجتماعي الذي سيعجل في الكارثة ولن يخلقها، هذا أولاً. الفتنة التي يبدو هذه المرة، ستنفجر داخل المناطق وبين القوى الطائفية في نفس البيئة، ولا سيما داخل البيئة الشيعية، باعتبارها الاكثر استعداداً للانفجار، لا سيما مع بروز عصبيتين داخلها، الاولى يشدها الدولار والثانية تشدها الليرة، هذا ثانياً.

 

الاحتمال الثالث، هو في ان يشهد لبنان انتفاضة الدولة، التي يشكل الجيش ما تبقى من مؤسساتها الصامدة، مترافقاً مع وعي انتفاضة لن تكتمل، من دون احتضان انتفاضة الشارع لهذا الجيش، كقوة قادرة ان تُعبر عن ارادة لبنانية جامعة لم يستطع احد طمسها او تقويضها، مفادها ان هذه الطبقة الحاكمة يجب ان تسقط، إذ لا امل بانقاذ ببقائها، فضلاً عن انها لا تسعى اليه ولا تتبناه أصلاً… غير ان “دوام الحال من المُحال”!