تمرّ الشعوب بأزمات كبرى في تاريخها، فيكون لها قادة قادرون بكل معنى الكلمة، ويُطوّقون الازمة او الحرب الداخلية او السقوط الاقتصادي، ويجدون لها بالنتيجة حلاً يُنهي تدهور البلد وعذابات الناس، ويُحافظ على مرتبة وطنهم وشعبهم من بين الدول المتقدمة.
وتمرّ دول بأزمات ومشاكل كبرى، ويكون الحكام والسياسيون والمسؤولون غير قادرين على حل الازمة لانهم مُصابون بالعجز عن حل المشاكل الكبرى على مستوى الوطن ومستوى الشعب، وهذا ما حصل في لبنان، اضافة الى انانية المسؤولين وتشبثهم برأيهم المنطلق من مصالح خاصة وشخصية، ورؤية غير بعيدة، بل افق ضيّق، فلا ينظرون الى الامور لمدى بعيد، ويضعون برنامج لاربع او خمس سنوات.
اليوم، مئة ألف ليرة لم تعد تشتري شيئاً، اليوم، المرضى ليس معهم اموالٌ كي يتعالجون في المستشفيات.
اليوم، الاهل لا يملكون اموال ليدفعوا اقساط اولادهم في المدارس والجامعات، اليوم يتقاتل اللبنانيون على «تنكة» زيت وبضعة كيلوغرامات من الارز والسكر والفواكه والخضروات وغيرها.
ها هو شهر رمضان الفضيل قد اتى، والغلاء «يكوي كوي»، وبعد رمضان قد تشتعل النار جدياً بثورة شعبية، ولن تردّ الناس على القيادات هذه المرة، لان مستقبل اولادها وحياتهم ومعيشتهم اهمّ من التبعية للقيادات التي لم تفعل شيئاً طوال الازمة، سوى زيادة «النكايات» بين بعضها، والقيام بالمصالح الشخصية على حساب المصالح الوطنية.
الرئيس الراحل البريطاني تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، واجه اعنف حرب المانية ضد بلده وضد شعبه، وكان يزور دائماً الناس في منازلهم، ويعمل على المساعدة قدر المستطاع، مع ان الصواريخ الالمانية كانت تضرب المانيا بالمئات، وحافظ على الحكمة وعلى الوطنية، ولم يطلب شيئاً لنفسه طوال الحرب، مع ان الاغراءات كانت بالمليارات، وكان يُمكن ان يستحصل عليها، لكنه نظيف الكف، صاحب ضمير، شريف الاخلاق، ورجل وطني من الطراز الاول.
لبنان مُقبل بعد رمضان على ثورة شعبية حقيقية، فليس هناك من سبيل لدعم كل المواد، لان الاحتياط الالزامي تناقص كثيراً، ولم يعد يستطيع الحاكم رياض سلامة تنفيذ سياسة نقدية تحت اسلوب من الضغط غير المبرّر، وفي حملة عليه ليس لها ايّ مبرّر، بل على العكس، فان الذي استدان مئة مليار دولار من الدولة اللبنانية، وان الذي سرق المئة مليار دولار، هم الوزراء الذين تطاولوا على الوزارات طوال سنوات وسرقوا اموال الشعب اللبناني.
يا شعب لبنان، قم بثورتكَ، تحرّك، ارفع صوتكَ، فقد وصل لبنان الى الحضيض والمسؤولون لا يسألون عنكَ، بل يتجاهلون عذاباتكَ ومرضكَ وجوعكَ ولقمة عيشكَ، ويستكترون عليكَ ان تملكَ ليرة في «جيبتكَ».
يا شعب لبنان، آن الاوان كي تتحرّك، لان الوضع لم يعد يُطاق، والرهان الوحيد الآن، هو ان تحصل الثورة بعد شهر رمضان الفضيل، وان تنزل الهيئات الشعبية كلها على كل المستويات، اهلية ومدنية، من نقابات واساتذة وطلاب، وحتى كبيري السن والاطفال، الى الشوارع وان يعلنوا الثورة على هذه الطغمة الحاكمة طوال 36 سنة التي اوصلت لبنان الى هذا المستوى الذي لن يستطيع لبنان العودة الى الازدهار قبل 5 سنوات، هذا اذا استطاع الانطلاق من جديد ، رغم اننا نراهن ان لبنان هو الطائر الفينيق الذي يخرج من الرماد ليعود بجناحيه ويُحلّق في الفضاء.
لكن هذه المرة، المصيبة اكبر من نار ورماد طائر الفينيق. فاكبر خسارة هي الهجرة، لان كل شاب مُتعلّم او غير مُتعلّم ويبلغ من العمر 25 سنة يُهاجر، ويكون قد كلّف اهله ما بين نصف مليون دولار الى مليون دولار، بدل تربيته من اليوم الاول حتى بلوغه سن الـ 25 سنة، فكيف اذا كانت الهجرة خلال 35 سنة 3 ملايين مُهاجر مُعظمهم من المسيحيين، ونحن لا نفرّق بين مسيحي ومسلم، لكن هذه هي الاحصاءات الرسمية التي حصلنا عليها من نشرات السفارات عن الهجرة في صحف عالمية، ومن احصاءات داخلية لبنانية لها علاقة بوزارة الداخلية والامن العام وغيره.
ندعوكَ يا شعب لبنان الى الثورة الشعبية الفعلية بعد انتهاء شهر رمضان الفضيل، وان لم تفعل، فانتَ ذاهب الى الكارثة الكبرى التي تشبه مجاعة العثمانيين سنة 1914، واذا كنتَ تراهن على مسؤولين وسياسيين، فانتَ تراهن على خراب وضياع واشخاص انانيين، وعلى اشخاص يعيشون في القصور، وعلى اشخاص منهم من فقد ضميره كلياً، ومنهم من يُفضّل مصالحه الشخصية قبل المصلحة الوطنية العليا.