IMLebanon

نحو حركة سياديّة وطنيّة

 

الخوف والقلق على المصير في وقت يتصرّف أهل السياسة عندنا بقلّة وفاء وإرتهان وتعدٍ على الدستور وخرق مواده وإهمال تطبيق القوانين، لا تقِّل عمّا نحن ذاهبون إليه، في ظلّ ضرب ممنهج لكل مؤسسات الدولة. أسباب قلق المناضلين الشرفاء تعود إلى شعور بأنّ من هم في سدّة المسؤولية غير كفوئين ومُضلِّلين يبيعون، يُسايرون، يُساومون، يتبدّلون، ويتلوّنون ويرهنون ويرتهنون، وكل أفعالهم تهدِّدْ الحضور الحرّ، في وطن دافع عنه الشهداء الأبطال الذين إستشهدوا ليبقى لبنان وطن الأرز مرفوع الجبين، سيادته ناجزة غير منتقصة على ما هي عليه اليوم.

 

وفقًا لعلم الإجتماع، إنّ الباحثين يُجمعون على انّ مفاهيم الحركات التحرّرية لها دلالتها، وهناك مبدئيًا نظرتان الى هذا الأمر، الأولى تعتبر أنّها حركات نضالية لإيصال فكرة معينة، من شأنها إعادة الأمور إلى نصابها القانوني والدستوري. والثانية تأتي من جهة المضمون والأهداف وطريقة تعاطي المناضلين مع الواقع العام. والعلم يعتبر واجب إتسام حركات النضال الوطني التحررية بدافع وطني يتلاءم مع المصلحة الوطنية العليا. وهو ما يُميِّزْ حركات التحرّر عن الأعمال التي تستهدف مصلحة خاصة لبعض فئات من المواطنين، أو تنافس أو تناحر للسيطرة على السلطة، أو فرض منظومة معيّنة واهية كما هي الحال الآن. والجدير ذكره، أنّ القانون الدولي يُبيح لرجال التحرُّرْ اللجوء إلى كل الوسائل الممكنة لإنهاك رجال السياسة الفاشلين، ومنها بطبيعة الحال، الحق في إستخدام كل الوسائل الديبلوماسيّة والإضرابات، وهي بالطبع مقاومة مدنية وبما هو متعارف عليه “الأسلوب الغاندي”.

 

منطقيًا وقانونيًا، يتبيّن أنّ الحركات النضالية هي فعل مشروع ومحِّق وفق الأعراف والمواثيق الدولية، لأنّها تدخل في نطاق احترام حرّية الإنسان والحفاظ على الوطن من الضياع في دهاليز السياسيين الفاشلين المرتهنين للغريب. وهذا الحق يُنتزع من أولئك الذين يسعون الى التشويش على المواطنين العزّل، ويرعبونهم ويغسلون أدمغتهم بالتضليل على ما هو حاصل اليوم على يد طبقة سياسية فاسدة ومُفسدة وحاقدة ومرتهنة، لكي يكون في مقدورها الإستمرار في تدمير المؤسسات الدستورية ونهب مقدرات البلاد. فهؤلاء المسؤولون يرفضون على الدوام الإقرار بالحقوق المشروعة للشعب اللبناني، بسبب إختلال الموازين لمصلحتهم ، لكن الإصرار على النضال وإنتهاج الكفاح بكل الوسائل المتاحة لتحقيق الأهداف النبيلة سيُرغمهم على الإقرار بالحق في التحرُّر من سلطتهم العفنة.

 

بمعية القانون وبهمّة الشرفاء وإستنادًا لشرعة حقوق الإنسان، من الضرورة ممارسة الحق الطبيعي والدستوري وتطوير الاسلوب النضالي وإبتكار أشكال متنوّعة من النضال، وأبرزها، إنتهاج أسلوب نضالي مدني يقوم على أساس إستخدام تقنيات ووسائل تهدف إلى شلّ قدرة هؤلاء الساسة وأهدافهم، من خلال إستخدام سلطة قرارها سليم لا عنفي، ينطلق من تأييد الرأي العام وإلتفافه حول المنظومة السياسية، أي مقاومة سياسية ـ ديبلوماسية بلا عنف مرحليًا. وعلى المناضلين الشرفاء إجراء نقد بحثي علمي عمّا آلت إليه ثورة 17 تشرين، حيث فشلت في بعض مفاصلها في تحقيق الأهداف التي نادت بها، وهي التحرُّر من هيمنة سلطة غير دستورية. ولا حاجة للتذكير في أنّ نحو 54 % من الناخبين قاطعوا الإنتخابات النيابية الأخيرة. ولعّل ما يُفسِّر هذا الفشل، هو الطبيعة الإستغلالية التي رافقت الثورة، وجعلتها تبحث عن الإندماج مع النظام القائم وتكريس الهيمنة السلطوية. والأمثلة كثيرة ولا حاجة للدلالة اليها، حيث إستغلّت السلطة الحقودة التظاهرات وتسللّت إلى داخلها، إمّا لإحباطها وإمّا لحرفها عن مسارها. كما حاولت بعض الأحزاب التسلُّلْ الى الثورة، عبر إرسال مناصريها بحجة الإحتجاج، وعمدت إلى اقفال الطرق ورمي الحجارة وما عداها من أفعال، لطّخت سُمعة الثورة ومناضليها الشرفاء…

 

إنّ توحيد الثورة ليس شعارًا عاطفيًا، بل هو ضرورة إدارية وطنية تُمليها، ليس المصلحة في الأساس، بل النضال ضدّ الأعداء أنفسهم، أي الطبقة السياسية الحاكمة والقوى التي تدعمها. فالطبقة السياسية الحاكمة تسعى بكل الوسائل إلى تأبيد سيطرتها على الوطن بمؤسساته المدنية والعسكرية، إمّا بعدم تطبيق القوانين أو بإستعمال ما أتاها من سلطة قانونية، كقاعدة متقدّمة، لضرب الثوّار أو الأنظمة التوتاليتارية التي تحميها وتُغذّيها ماليًا ومعنويًا على حساب المصلحة العامة.

 

إستفحال الأزمة السياسية ـ الأمنية ـ الإقتصادية ـ المالية ـ الإجتماعية وعجز الحُكام عن حلّها، الأمر الذي يُفاقم الأزمات بأجمعها، حتى وصلت الأمور إلى فراغ في السلطة التنفيذية وبقية مؤسسات الدولة الشرعية. وهذه الأمور زادت من الهجرة والبطالة التي تتسبّبْ بإفراغ البلاد من معظم قواها البشرية الحيّة. إنّ تصاعد الأخطار على الجمهورية اللبنانية والمنطقة، بعد وصول النفوذ الإيراني إلى ذروته، ضاربًا بعرض الحائط مبادئ القانون الدولي وأحكامه وميثاق جامعة الدول العربية، ما يُهدِّدْ السلم والأمن الدوليين، يزيد الأمور تعقيدًا، بعدما عمدت السلطة القائمة إلى الإرتهان الأعمى لهذا التمدُّدْ. إضافةً إلى غياب الممارسة الدستورية حول قضايا أساسيّة، تشكّل ركائز التعاقد الوطني في ظلّ تجميد ممنهج للسلطة وآلياتها، أي إستعادة السيادة الكاملة على كل تراب الوطن.

 

عقبات من هنا وهناك أمام إعادة تشكيل حكومة، إنقطاع كامل عن ممارسة السلطة وفقًا للدستور، سلطة تستهتر بشعبها ووصل عجزها إلى التصرف بالمال العام إعتباطيًا، حيث تجاوز 100 مليار دولار أميركي.

 

المطلب المنطقي واضح. أولاً، تنظيم الصفوف والمنظومة والإلتفاف حول الصرح البطريركي الماروني وتبّني مطلبه بالحياد والتدويل. وثانيًا، هذا الأمر يتُّم عبر آليتين، الأولى تشكيل نوّاة معارضة وطنية لها منظومتها السياسية المشروعة والمُتفق عليها بين كل مكوّناتها. والثانية تشكيل حكومة مصغّرة إنتقالية مطعّمة بنوّاة هذه المعارضة لديها صلاحيات تشريعية واسعة لا قدرة للمجلس النيابي الحالي على تعطيلها. وبناءً عليه، يكون لهذه الحكومة مهمّات أساسيّة تُختصر بالآتي:

 

1. درس وإقرار قانون إنتخابي عادل ومتوازن بإشراف الأمم المتحدة ومساعدتها وإجراء الإنتخابات.

2. بعد إعادة تكوين السلطة، الطلب من المجتمع الدولي تطبيق ما ينصّ عليه القانون الدولي ومنع التدخّلات الخارجية في الشؤون اللبنانية، أي بصريح العبارة، إصدار قرار أممي بمنع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من التدخّل في الشؤون اللبنانية.

3. بسط سلطة الدولة اللبنانية على كل ترابها الوطني، تنفيذًا لقانون الدفاع الوطني الذي يحصر حماية الوطن بالقوى اللبنانية الشرعية دون سواها.

4. إقرار قانون إستقلالية القضاء ومحاكمة من تثبُتْ عليه الجرائم السياسية والدستورية والمالية وما عداها من جرائم إرتكبها أي سياسي، والكف عن الإتهامات الكيدية وتسييس الملفات وإستعمالها غُبّ الطلب.

5. القيام بكل الإجراءات الإقتصادية المالية لوقف الإنهيار.

 

في مواجهة هذا الأمر غير المألوف دستوريًا، على الشرفاء التوّجه بالبنود المُشار إليها أعلاه إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، لمساعدتهم في تطبيقها وفقاً للقوانين المرعية الإجراء، وإنطلاقًا من مبدأ إحترام شرعة حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وعلى أمل أن تتجاوب الأمم المتحدة مع مطلب الشرفاء، من أجل حماية لبنان أرضًا وشعبًا ومؤسسات دستورية شرعية، بما يؤدي إلى إنتاج سلطة منبثقة فعليًا من إرادة وطنيّة حرّة… وللبحث صلة.