Site icon IMLebanon

حدثٌ كبيرٌ يَفتح باب الحلول

 

في «جمهورية العجز المطلق»، سقطت كل الرهانات على تسوية سياسية بالأدوات الداخلية العادية. فاللاعبون، من عون إلى الحريري إلى سواهما، لا يملكون مفاتيح الحلِّ والربط. ولذلك، هم يخوضون معارك وهمية في غالب الأحيان. ويتنامى اقتناع بأنّ المستنقع اللبناني بات ينتظر صدمةً أو حدثاً كبيراً يعيد خلط الأوراق ويفرز معطيات جديدة.

 

 

 

على مدى العامين الفائتين، شهد لبنان صدمتين هائلتين، كان يمكن استثمارهما لتغيير «الستاتيكو» الحالي، وهما: انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، بما رافقها من انهيارات مالية واقتصادية، وكارثة المرفأ في 4 آب 2020.

 

ولكن، تعاطى حُرّاس هذا «الستاتيكو»، أي قوى السلطة وداعميها الإقليميين، بشكل عدائي مع الصدمتين. ففي 2019، أحبطوا الانتفاضة التي كانت تحظى بدعم الولايات المتحدة والغربيين، وكرَّسوا بقاء لبنان في محوره الإقليمي الحالي. وفي 2020، عطّلوا المبادرة الفرنسية التي تلقَّت الدفع من زلزال هائل في المرفأ.

 

واليوم، يبدو الواقع اللبناني غارقاً في مراوحةٍ لا نهايةَ لها، بسبب عجز القوى السياسية عن إنتاج حلّ. فأي صدمة يمكن توقُّعها لتحريك الركود اللبناني السائد؟

1- يعتقد البعض أنّ لحظة الانهيار الكبير التي ستواكب رفع الدعم نهائياً عن السلع الأساسية، يمكن أن تشكّل هذه الصدمة. فهي ستقود إلى انفجار اجتماعي له انعكاساته السياسية وربما الأمنية.

 

وثمة مَن يتوقع أن يشهد البلد، في ظلّ هذا الانهيار وسقوط المؤسسات وتلاشي المرافق العامة، نموّاً لنزعات الإدارة الذاتية التي ازدهرت خلال حرب 1975- 1990. وأياً يكن الواقع الذي سيفرزه الانهيار، فإنّ لبنان ما بعده لن يكون كما قبله.

2- يشكِّك آخرون في تأثير الصدمة الداخلية التي ستنتج من الانهيار. ويعتقدون أنّ الصدمة الأكثر واقعية ستكون بحصول اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، واتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين.

 

فهذا الأمر سينعكس توافقات قابلة للحياة في لبنان، لأنّ أحداً لن يعتبرها استفزازاً له أو انتصاراً للخصوم. وصدمة التوافقات الإقليمية والدولية هي الوحيدة التي ستتكفَّل بتكريس «الستاتيكو» القائم حالياً في لبنان، ولن تنسفه، لأنّه أساساً قائم على توازن بين القوى الإقليمية والدولية.

3- حصول اشتباك إيراني- إسرائيلي، مع «حزب الله» في لبنان أو أو مع دمشق، يمكن أن يبدأ بالطريقة التي جرت أخيراً، ويتخذ منحى تصاعدياً ليتحوَّل مواجهة إقليمية يكون الملف النووي من عناوينها الأساسية.

 

ويقول متابعون، إنّ هذه المواجهة ربما كانت ستقع لو حصل الإسرائيليون على الضوء الأخضر من إدارة الرئيس جو بايدن. لكن إسرائيل تتهيَّب المغامرة منفردة. ولذلك، هي اكتفت بتوجيه ضربات أمنية أو استخبارية، أقرب إلى الرسائل، في العمق الإيراني.

 

ويخشى المراقبون أن يجد الإسرائيليون فرصة سانحة لتكرار سيناريو تموز 2006، الذي ما زالت تداعياته قائمة على الاقتصاد اللبناني حتى اليوم. ومن شأن أي اعتداء على لبنان، في ظلّ انهياره الكامل، أن يشكّل ضربة قاضية على كل المستويات.

 

لكن الأهم حالياً هو ملف الغاز والنفط. فالإسرائيليون يريدون استئناف المفاوضات غير المباشرة مع لبنان والوصول فيها إلى نتائج، لأنّ ذلك حيوي لموقعهم الذي يتعزَّز في سوق النفط المتوسطية، بين الشرق الأوسط وأوروبا (مصر، الأردن، قبرص، اليونان، فرنسا وإيطاليا…)

 

وثمة مَن يتوقّع أن تؤدي الضغوط الأميركية الحالية إلى تسهيل استئناف المفاوضات. لكن ذلك سيتأثر بمدى التقدّم الحاصل في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. وأي تطوُّر عسكري أو سياسي على الجبهة اللبنانية مع إسرائيل سيترك تداعيات مُهمَّة في الداخل اللبناني، سلباً أو إيجاباً.

 

إذاً، لبنان في وضعية الانتظار للصدمة أو للحدث الكبير، إيجابياً كان أو سلبياً، والذي سيكون مَنشؤه خارجياً ويحرِّك الركود الداخلي. ويمكن القول، إنّ الشرق الأوسط بكامله ينتظر صدماتٍ أو أحداثاً كبيرة، تُنهي الجمود وتُنفّس الاحتقانات السياسية، والتي تقترب أحياناً من الانفجار العسكري.

 

في 17 تشرين الأول، لو تمّ استثمار الصدمة الشعبية إيجاباً لكان لبنان قد سلك طريق النجاة. وفي 4 آب، لو تمّ التفاعل مع المبادرة الفرنسية لكان الانهيار قد توقّف. واليوم، إذا لم تتحقّق صدمة جديدة إيجابية تعيد خلط الأوراق، فلن يُفتَح باب الحلول.

 

وفي الانتظار، سيغرق لبنان في المزيد من المراوحة إلى ما لا نهاية، حيث لا يستطيع أي طرف داخلي حسم المواجهة أو فرض التغيير.