Site icon IMLebanon

الـــــــــــــى أيــــــــــن؟

 

17 تشرين كان وقفة، ولكنها جزء من تاريخ لبنان الذي مرّ بطانيوس شاهين، وبكل الثورات التي سبقته ولحقته، وكلها تمر بمراحل:

 

أولاً: تبدأ الثورات في معاناة القلق وضعف الثقة في المستقبل، فأمور الشعب لم تعد تتفق مع آماله، وواقعه لم يعد منسجماً مع أمانيه. التغيير اصبح يزداد إلحاحاً كل يوم. هناك الغضب الممزوج بالإستفزاز وهذه كانت حالة لبنان بعد سنة 1970.

 

ثانياً: لحظة الإنفجار، تُفجِّرها الظروف المتفاعلة واذا سلاسل القيد تنكسر ثم يبدأ نظام السلطة بالتداعي، ولا يحصل السقوط، وهذا ما حصل في 17 تشرين!

 

ثالثاً: الثورة: انهيار القديم وقيام البديل، ويتقدم من يمثل الثورة ومن يتحمل مسؤولية هندسة اسس البناء الجديد.

 

لقد حصل الإنفجار ولكنه بقي معطلاً لأن فعل الثورة توقف في منتصف الطريق لأن الإنفجار لم تكن له رؤية سياسية وإجتماعية.

 

ففي التاريخ يظهر طرف يمثل الطموح: الشباب مسلح بالعلم والكفاءة والعصب، وطرف يمثل القدرة: القوات المسلحة الحارسة لسيادة الدولة وحماية الشرعية، الشرعية لا السلطة، شرعية في «دستور حقيقي».

 

بالطبع، فليس الشباب الطالع والقوات المسلحة هما الطرفين الوحيدين على ارض الوطن، هناك قوى كثيرة وطبقات وأجيال موجودة في الساحة في اقصى درجات التنبه، ولكن صوت الحوار بين الشباب الطالع بالطموح والقوات المسلحة المسؤولة هو المسموع، ولكن هناك ايضاً قوى خارجية بدأت تطل على الساحة لأن لها فيها مصالح حيوية، والمشكلة هي في دخول هذا الجيل من الشباب وبأدوات عصره مع عجز النظام القائم عجزاً كاملاً عن الفهم والإستجابة واستقوائه بغرور سلطة، سلطة مطلقة في يده وقصور فكر.

 

من الصعب تسميته «النظام» لأنه «اوليجركي» اي تحالف عناصر المال وسلطة السلاح، سلاح القمع الأمني، هذه الأوليجركية لم تفهم شيئاً ولم تستطع ان تلحظ تغييراً في مجتمع اصبح اقوى من اي قمع، هكذا وقع الإنفجار.

 

ان كافة الطرق انسدت امام النظام ولم تعد سوى ترتيبات انتقالية تسعى الى دستور جديد.

 

ما زالت هلوسة التوريث فاعلة ومؤثرة وتدير الأمور، جبران باسيل يرث عون، كما كان ابن حسني مبارك يحضر لإرث والده، وكما ورث بشار الأسد أباه.

 

ترنُّح رئاسة النظام ذاتها، ثم أخْذ النظام كله وليس موقع القمة فيه يترنح واختلطت الثورة بالكورونا. وأسْكَنَ ذلك كسر الحواجز والقيود.

 

نطرح السؤال الذي لا يكف عن الصراخ: ماذا نريد؟

 

الشعب يريد اسقاط النظام ممثلاً برئاسته، وفي الحقيقة لم تعد هناك دولة ولا كان هناك نظام وانما كان هناك مجموعة سلطات!

 

سواء استقال عون ام لم يستقل، فإن هذه الرئاسة بأي معيار انتهت لأنها ببساطة فقدت اي بقايا للشرعية، فالشرعية لها علامات وإمارات.

 

أ) رضا وقبول طوعي من الناس وذلك ضاع.

 

ب) مكانة وهيبة، وهذه تداعت امام الناس في الداخل والخارج.

 

ج) لم يعد بمقدور احد على قمة يستطيع فيها ان يوجه الناس فيطيع او يصدر قانوناً ملزماً.

 

ولم يعد في مقدور احد ان يخاطب المجتمع العربي او المجتمع الدولي، فيأخذ جَدّاً ما يقوله، الصهر هو الذي يفاوض في الداخل وفي الخارج، وهو اصلاً صهر أنزِلت عليه عقوبات عزلته عن العالم. حين اعلن مكتب المستشارين في الرئاسة ان الرئيس عون سيتحدث، تصوّرت انه:

 

أ) سيقدم استقالته.

 

ب) بعد تشكيل الحكومة.

 

ج) وبعد توقيع مرسوم التشكيلات القضائية العالق عنده منذ سنتين.

 

د) سيعلن انه لن يرشح صهره.

 

هـ) سيعلن اصدار قرار بتنحيه وعقاب المسؤولين ممن نهبوا المال العام والمسؤولين عن انفجار المرفأ.

 

و) سيعلن حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات نيابية.

 

ولكنه لا تكلم ولا قال شيئاً!!

 

الحقيقة ان معركة ميشال عون الآن هي محاولة استرداد السلطة لأنه بالفعل ومنذ سنوات كان قد تنازل عنها لصهره جبران باسيل.

 

لقد جرى التعامل مع السلطة كما لو انها ملكية خاصة. ترك ميشال عون لصهره ادارة الدولة وجلس بعيداً يستريح وينعم بالشيخوخة في آخر العمر وفي خياله ان الصهر سيحول الدكان الى سوبرماركت مستعيناً بالمستشارين ببساطة: الوطن اكبر من ان يتحول الى ملكية احد والشعب اكبر من ان يتحول الى عمال وموظفين، هناك شعب ورجال وشباب، وهناك جيش وهو نفس جيش الشعب ورجاله وشبابه. وهناك في هذه اللحظات حوار بين الطرفين وأهم ما يجب ادراكه، ان هناك صفحة تُطوى!

 

واذا بقي ميشال عون على صمته بينما «حزب الله» وامينه العام حسن نصرالله يعلن انه سيجلب البنزين والمازوت من ايران، فهو مسؤول امام التاريخ! اذا لم يستطع ميشال عون ان يفعل شيئاً مفيداً للبلد وهو في سن الخمسين فكيف له ان ينقذ البلد وهو في سن الخامسة والثمانين؟

 

«ابو الكل» يجب ان لا يضع الجيش في مواجهة الشعب حتى لا ينزلق لبنان لمنعطف يعصف به، وبالمنطقة!

 

ولكن هل الجيش جزء من المنظومة؟ من هذا النظام؟ بالطبع لا. الجيش جزء من الدولة وليس جزءاً من النظام الحاكم او المنظومة، لأن الحكم بهذه الطريقة لم يعد له مستقبل، انتهى سياسياً، انتهى تماماً! ولم يعد به نَفَس، لم يعد يساوي شيئاً! والحكم بهذه الطريقة الموجودة لم يعد له مستقبل، الحكم مات في 17 تشرين من الناحية التاريخية، وشلّه حزب الله سياسياً ليزيد شلله شللاً. السلطة السياسية قد تأتي بها انتخابات ولكنها تدخل على الدولة لكي تسيّر اجهزتها، ولهذا فأجهزة الدولة باقية، ولكن الجهة المكلفة بتسييرها غير موجودة في هذه اللحظات وهذه هي الأزمة!

 

تناقُص أعداد الشباب المتظاهر في الساحات العامة يعكس مدى قدرة البلد ذاته لتحمل ذلك. نحن امام تحديات عديدة: بنوك ومعامل مغلقة، نسبة الفقر 75%، البطالة اكثر من نصف طاقة البلد على العمل، رواتب متوقفة ومخزون طعام معدوم، النظام يدفع البلد بهذا العِناد وغير المبالاة لموقف لا يُحْتمل لأن معناه الوصول بالبلد الى الفوضى المدمرة.

 

اذا نظرنا الى حالة الغضب المكبوت فإنه غضب ينقلب الى نقمة واذا انفجر اكلت الأخضر واليابس!

 

هذه الأوقات الصعبة تنادي روح ومدرسة فؤاد شهاب وريمون اده وبشير الجميل وصائب سلام وغيرهم!

 

لقد وضع عدد من كبار الدستوريين دراسة عن مخالفات ميشال عون للدستور وارتكابه الخيانة العظمى وفقاً لنص الدستور.

 

نحن ذاهبون الى هذه المحاكمة ليبدأ بعدها عصر جديد في لبنان نتعلم فيه ان الخطيئة لها عاقبة!

 

كفى… كفى… مئة سنة لم يُحاسَب أحد، وجاء الآن وقت الحساب!