Site icon IMLebanon

“17 تشرين” و”الهندسات” الثورية

 

مفيد طبعاً أن تلتقي غداً مجموعات “ثورة 17 تشرين” في انتخابات نقابة المهندسين، أو في سائر النقابات، وأن توحّد صفوفها لإيصال من يشبه تطلعاتها أو يتقاطع مع تقاطعاتها، لكن ربح انتخابات النقابات ليس نهاية المطاف وقد لا يشكّل عاملاً أساسياً في تحقيق الأهداف التي قامت الثورة من أجلها، عدا عن كونه قابلاً للانتكاس خصوصاً أن باب الخيبات من الأشخاص مفتوح… والتجربة أكبر برهان.

 

الشعارات المطلبية ومحاربة الفساد هي بعض مطالب الثورة، ولا شك في أهمية وصول أكفاء وأحرار الى مواقع نقابية أو تمثيلية. لكن إذا أرضت هذه الشعارات بعض المجموعات والأحزاب المنضوية في اطار تحالف “النقابة تنتفض” لخوض معركة المهندسين، فإنها لا تعبِّر إلا جزئياً عن جوهر الانتفاضة الوطنية التي انطلقت في 17 تشرين والتي كانت مدركة أن ضياع الودائع، على سبيل المثال، هو نتيجة استباحة أهل السلطة مقدرات الدولة وتنازلهم عن مقومات سيادتها، وليس مجرد تواطؤ إجرامي بين المصارف وحاكم مصرف لبنان.

 

من المهم تذكير من عايشوا مرحلة السبعينات أو اطلعوا على الأجواء النقابية والطلابية آنذاك أن أحزاب اليسار هيمنت على معظم مواقعها وشكلت ظاهرة عابرة للطوائف، ورغم ذلك فإنها لم تستطع ايصال نائب الى البرلمان، فالبلاد كانت انقسمت عمودياً على خيارات “وجودية” لا تتيح تطوراً ديموقراطياً أكثر مما كان. لذلك فإن الأفراح بفوز “النادي العلماني” في بعض الجامعات أو بنقابة من هنا أو من هناك لا تحجب جوهر الصراع القائم على الخيارات الوطنية الكبرى بعيداً من رومانسية “كلنا أحباب”.

 

“ثورة 17 تشرين” ليست ثورة مطلبية لتلبية طموحات اليسار المستثار ضد “حكم المصرف”، أو “الحزب الشيوعي” الممانع عازفاً نوستالجيا “صراع الطبقات”. هي ثورة مواطنية تكمل انتفاضة 14 آذار لإسقاط المنظومة واستعادة السيادة وأحكام الدستور والقانون، ولن يفيد إلا في التكتيك طمس التناقضات بين المجموعات لأنها مضطرة في نهاية المطاف لعرض قناعاتها في أي نظام سياسي يضمن بقاء اللبنانيين في لبنان.

 

ليس مطلوباً التوافق على الخيارات السياسية الكبرى في انتخابات النقابات، وبديهي نسج تحالفات، لكن انتخابات النقابات ليست “بروفا” عن الانتخابات النيابية او البلديات، والرهان على نتائجها للوصول بكتلة تغييرية وازنة الى البرلمان فيه نقص تقدير وأوهام.

 

نفهم جيداً رغبة مجموعات الثورة في تحقيق انجاز ما. فالطريق المسدود الذي وصل إليه الحراك الشعبي بفعل قمع السلطة والميليشيا على السواء لم يترك كثيراً من الخيارات، لكن الخشية جدية من موت الثورة لو صارت حزباً بمنازل كثيرة يعلّق كل آماله على صناديق اقتراع توصل وجوهاً نخبوية قليلة الى البرلمان.

 

لا ثورة بلا شارع ثوار. ومجموعات الثورة مطالبة رغم الصعوبات بأن تقود ثواراً يُعتدُّ بأعدادهم وصلابتهم في الشوارع قبل ان يكونوا ناخبين في مراكز الاقتراع. وهذه المجموعات لن تبقى بمنأى عن حسم خياراتها لمستقبل لبنان بعد كل هذه المعاناة والانهيار، وستكتشف أنها أمام ثلاثة مشاريع: مشروع استنقاع ينبع من نظريات التسوية وربط النزاع، ومشروع خراب عماده “الممانعة” المسلحة مشفوعة بأحاديث التوجه شرقاً والسير على ايقاع طهران، ومشروع “الحياد” لإنقاذ الوحدة وبناء دولة قانون تضمن كرامة كل مواطن في لبنان.