الثورة آتية لا ريب فيها! الذي حصل في 17 تشرين هو انتفاضة هو إنذار ولكنّه لم يحقق أي تغيير بل بقي الفسادعلى حاله وإستفحل.
و15 أيار ستكون سبباً إضافياً للثورة لأنّها ستعود بعصابة علي بابا والأربعين نائباً ووزيراً الى الكهف! يضاف الى التزوير فضيحة منع المغتربين من التصويت. ولأن التزوير سيكون بلا حياء، وأصلاً قانون الإنتخابات ذاته قانون ارث وتكريس، وكأن السلطة ملكية خاصة.
الثورة ستأتي بعد انتخابات 15 أيار، وتباشير الثورة بدأت مع حادثة بوسطة عين الرمانة، وكانت الحرب الأهلية هي الوقود للثورة الآتية، واستمرت الحرب الأهلية للطائف الذي كان حبراً على ورق فلم يُطبّق وحين طُبّق أُسيء تطبيقه!
ثم جاء ميشال عون منذ خمسسنوات بتصويت وترجيح من سعد الحريري الذي إختلف وقتها مع فؤاد السنيورة على خطورة هذا الخيار الذي كان من طبخ نادر الحريري وجبران باسيل.
وتصرف ميشال عون مع السلطة كما لو أنها ملكية خاصة. ويوم انتخابه ترك «المالك» ميشال عون لصهره جبران باسيل، ترك «المالك»أموره لصهره في بعبدا وجلس هو بعيداً يستريح وينعم بالشيخوخة في آخر العمر وفي خياله أنّ صهره سوف يحوّل «الدكان» إلى «سوبر ماركت» حديثاً مستعينا ببعض الأعوان الجدد من أصدقائه.
والصورة كلها تبدو كأنها مشهد من قص لنجيب محفوظ:
«كان «سي السيد» في رواية نجيب محفوظ وقد ترك «المحل» لإبنه وأصحابه، وانصرف الى حياته ليعتني بصحته، ويسافر هنا وهناك، ويتسامر ويحكي الحكايات، ويلقي بالنكات مع هذا وذاك، حتى فاجأه من يخبره بأن المحل أفلس، وأن الدائنين أطبقوا عليه، وأن البنوك تطالبه بمستحقاتها، وأن ممتلكاته وأرصدته جرى الحجز عليها، فإذا هو يعود مهرولاً ليكتشف ان الذي يتعامل معه بمنطق المالك وموظفيه وعُماله هو في حقيقة أمره وطن، وأن هذا الوطن له شعب، وأن هذا الشعب يتجدد أجيالاً وأجيالاًوأن هناك الآن جيلاً جديداً خرج يطلب الحق في الحرية والحياة، والكرامة والعدل. »
ببساطة: الوطن أكبر من أن يتحول الى ملكية أحد.
والشعب أكبر من أن يتحول إلى عمال وموظفين لديه.
هناك شعب ورجال وشباب.
ثم وهذه نقطة مهمة: هناك جيش، وهو نفس جيش الشعب ورجاله وشبابه.
كل ثورة لها تاريخها ولها خصائصها المختلفة عن الأخرى.
كنت أقرأ عن الثورات، وآخر كتاب قرأته وأعجبني جداً كان عن الثورة الفرنسية، وفيه مشهد شعرت أنه يعبّر عما نحن فيه الآن، خطاب ارسله أول رئيس مؤسس للولايات المتحدة الأميركية (جورج واشنطن)- وهذا بطل استقلال حقيقي- لسفيره في باريس بل جونسون- ونتذكر ان الثورة الفرنسية حدثت بعد الثورة الأميركية بعدة سنوات، حتى أنه كانت هناك عناصر مشتركة- فقائد الثورة الأميركية جورج واشنطن يرسل لسفيره في باريس يقول له: الثورة الفرنسية التي لديكم اكبر جداً من التي كانت لدينا، فنحن كنا نعرف من اين نبدأ لأن ما كان امامنا هو طرد القوى القديمة.الثورة ستأتي لوقف المتاجرة أمامنا بقضية فلسطين: المنظمات اولاً ثم المخابرات العلوية ثانياً. وأظن اننا يجب ان نتعلم من الثورات، بمعنى أنهم كان لديهم سؤال من اين نبدأ؟ فالثورة الفرنسية فاتت في مرحلة كبيرة جداً، من مرحلة التحريض والتوعية والتي كان فيها شخصية مثل مِرابو، وصلت الى مرحلة الرغبة في ايجاد حلول وسط، وفيها شخصية مثل فانتان، ثم وصلنا الى مرحلة الرعب والإرهاب التي كان فيها روبسبير، والثلاثة قُطعت رقابهم على المقصلة. اذاً الثورة اللبنانية ستكون نموذج للثورات العربية.
الثورة لها آليات معيّنة، لأنها لا تستطيع ان تنتظر احداً. هناك تيار جارف مثل الفيضان ولا بد ان تفهمه لكي تستطيع ان توزع مياهه لتأتي بخصب ولا تأتي بقحط. لا بد ان نتعظ والاّ نتصور أن الأمور يمكن ان تحل نفسها بنفسها، لا بد ان نحلها نحن، وبالتالي علينا ان نبدأ ونسأل أنفسنا: ما العمل؟ وأول شيء في الإجابة على (ما العمل؟) هو أن نعرف ما نواجهه، إذا عَرِفت انها ثورة، وإنها ليست حركة وليست تظاهرة أو احتجاجاً، وأن تفهم ان هؤلاء الشباب الذين يهيئون للثورة هم طليعة، وان وراءهم كتلة ملايين، وان هؤلاء الملايين كانوا يعبّرون عن آخرين موجودين في قراهم ومدنهم لم يأتوا، إذا أدركنا اننا امام ثورة، فهذه أول خطوة للعلاج، لأننا سنعرف ماذا وكيف تعالج؟
الثورة ستنجب برلماناً هو القوي، ورئيس جمهورية يمثل شرعية فكرة الدولة ولا يتدخل.. يقول محمد حسنين هيكل أنّه: ذات مرّة كان يتكلم مع خوان كارلوس ملك اسبانيا – عندما عاد- وقال له: كيف استطعت بعد ديكتاتورية فرانكو ان تفعل ذلك، قال له لأنه فهم دوره؛يقول ملك اسبانيا: أنا دوري مثل دور عسكري البوليس يقف وسط الشارع، ولكن تمر الحركة سلسة على كل الإتجاهات.. المطلوب رئيس جمهورية يقف وسط الميدان ويسمح بتدفق الحركة.نريد وتريد الثورة الآتية رئيس جمهورية رمزاً لفكرة الدولة، وحَكَم عند الأزمات.
ثم يضيف محمد حسنين هيكل أنّ: الغريب جداً، حينما كان جالساً مع خوان كارلوس ملك اسبانيا، كلمّه الملك الحسن تلفونياً، واستأذن هيكل من الملك في الخروج، لكنّ الملك أشار له بيده ان يجلس ثم تبيّن ان الملك الحسن يتشاجر مع الملك خوان كارلوس بأن يأتي الإشتراكيون إلى الحكم، وقال له انه لا يستطيع ان يمنعهم، فالشعب يرميني في الشارع غداً صباحاً إذا خالفت إرادته، فالملك الحسن قال إذ ذاك للملك خوان كارلوس: أنت فاهم نفسك الملكة إليزابيت.
نريد رئيساً للجمهورية يستطيع في وقت الأزمات أن تودع عنده السلطة إلى أن تنتقل لأحد، ويقوم بالدور التقليدي حتى لملكة إنجلترا. الثورة ستأتي في المستقبل برؤساء الجمهورية من دون المكانة التاريخية، الثورة ستأتي ببشر عاديين يدركون أن دورهم في الخدمة.
والثورة ستقبع النظام الطائفي من جذوره، هذا أول الطريق ونظام الأحزاب الطائفية وتأتي الى الدولة المدنية.
هذه هي الثورة الدموية المنتظرة التي مهما كلّفت ستبقى رخيصة للمئة سنة القادمة.. ومهما كلّفت فستبقى رخيصة أمام العهود التي حولت السلطة الى «دكان» والتي تنهي التجارة بفلسطين وتنهي التجارة بالدين.
الثورة قادمة لا ريب فيها!