Site icon IMLebanon

مناورات التأليف والتصريف: إنكار جديد للحراك

 

يسود الضياع الطبقة السياسية برمتها حيال المأزق الحكومي الذي وقعت فيه، وأوقعت معها البلد جراء التأخر في الاستجابة للأزمة الاقتصادية المالية المعيشية التي ضربت لبنان، وبسبب مواصلتها المناورات السياسية التقليدية كأن شيئاً لم يكن، بتناتش الحصص والمواقع الوزارية.

 

وقع كبار المسؤولين في الدوامة المفرغة: رفضوا اشتراط رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري حكومة اختصاصيين مستقلين. وافق “التيار الوطني الحر” على التكنوقراط لكن على أن يسميهم الفرقاء. رفض شركاء “التيار”، أي الرئيس نبيه بري و”حزب الله”، أن يستغل رئيسه جبران باسيل غياب قوى مسيحية وازنة ليصادر التمثيل المسيحي مجدداً، ويفرض حصته، فوقع الخلاف بينه وبينهم، وبينه وبين الرئيس المكلف. وبات فريق الرئيس ميشال عون يريد التخلص من تكليف دياب لأنه اعتقد أنه مطواع باعتباره آتياً من خارج النادي السياسي، في وقت كان همّ الأخير تحصين موقعه السني عبر التمسك بصيغته للتكنوقراط، على رغم أنه شكلها مع سياسيين عملوا خلف الستار ولهم أهدافهم الخاصة. أوفدت الرئاسة إليه وزيرها لإبلاغه بلطافة أنه يحظى بتقديرها لكن تأليف الحكومة بات معقداً، فكان جوابه أنه إذا المقصود أن يعتذر فلن يفعل. حاول رجال القصر إيجاد مخارج قانونية لتغييره، لكن مهما سعوا إلى تجميل المخارج التي تثير الحساسيات الطائفية، اصطدموا بنصوص الدستور التي لا تجيز سابقة من هذا النوع، إلا إذا اختار هو الاعتذار عن المهمة، أو إذا قبل معه رئيس الجمهورية بالصيغة الحكومية التي اقترحها فيوقعها، لكن الكتل النيابية تسقطها في البرلمان بحجب الثقة. وهذا بحد ذاته سابقة على رغم قانونيته.

 

بات المأزق وجود رئيس مكلف، من سمّوه على خلاف معه، ولا يمكنهم تغييره، وحكومة مستقيلة يرفض رئيسها تصريف الأعمال إلا بالحدود الضيقة، على رغم الانتقادات التي يتعرض لها بوجوب اتخاذ القرارات للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية المالية.

 

هل ينفع التوافق بين المختلفين على اعتماد خيار تصريف الأعمال بحجة الضرورة، والحاجة الملحة إلى إقرار موازنة 2020 فيما البعض يطمح إلى طرح أكثر من ذلك باسم الظروف الاستثنائية، يقضي بإقرار مشاريع القوانين التي تفرض الورقة الإصلاحية التي أقرتها حكومة الحريري في آخر جلسة لها؟

 

تتسع الحلقة المفرغة أكثر. فمفهوم الحريري لتصريف الأعمال، حسب أوساطه، لا يتطابق مع ما يفرضه الدستور، لأن التصديق على الموازنة في ظل حكومة مستقيلة يحرم الحق الدستوري للحكومة الجديدة أن تسحبها من البرلمان لتعديلها. وإحالة مشاريع قوانين على البرلمان بالقرارات التي اتخذتها الحكومة على طريق التصحيح المالي قد تتطلب صيغاً أخرى للتعاطي مع الأزمة المالية لا يخضعها للمحاسبة. والتفاوض مع هيئات الدعم الدولية يحتاج إلى حكومة شرعية عبر ثقة البرلمان.

 

هناك من يدغدغ له إحياء تصريف الأعمال على نطاق واسع، رغباته بالعودة إلى لعب دور تراجع بفعل استقالة الحكومة والرفض الشعبي له، كي يتحكم بقراراتها ووضع العصي في دواليب رئيسها، الذي اكتوى مما عاناه من أسلوبه التعطيلي في السنوات الماضية. فالحريري سبق عون إلى المجاهرة بأنه لا يمكنه التعامل مع باسيل، قبل أن يجاهر عون برفضه التعاون مع الحريري بعد الآن. أي أن تصريف الإعمال متعذر لهذين السببين.

 

لا مخرج من المأزق إلا إذا قرر الرئيس المكلف التسليم بمطالب عون وباسيل في التوزير، أو إذا قبل بالصيغة التكنو سياسية التي أصر عليها بري. لمن يتنازل دياب؟ للثنائي الشيعي أم لـ”التيار الحر”؟

 

أياً كان الجواب فإن كل مناورات أحزاب السلطة تجري مع تجاهل التأزم الاقتصادي المالي، وبعيداً مما يعتمل في الشارع الذي لن يقبل بنزول النواب إلى البرلمان بالحكومة المستقيلة ولو لإقرار الموازنة، أو للتصويت على الثقة بحكومة محاصصة برئاسة دياب. إنه عود على بدء: إنكار الانتفاضة الشعبية.