IMLebanon

الحصانة لمن يتمرد على أوامر غير قانونية

 

 

«لا يسمح بتقديم استثناءات أو أعذار لتبرير استخدام القوة على نحو غير شرعي»، بحسب معايير القانون الدولي. كما أن ملاحقة ومحاكمة ومحاسبة وزيرة الداخلية والمدير العام لقوى الامن الداخلي والضباط والرتباء والعناصر الذين قاموا بأعمال مخالفة للقانون أو شهدوا على تلك الاعمال من دون ان يقوموا بأي جهد لاعتراضها، هو واجب وطني إذا أردنا دولة ديمقراطية.

 

وعلى الحكومة المقبلة ووزير الداخلية الجديد، وقد يكون أحد ضباط الجيش المعروفين بانضباطهم وبتمسكهم الصارم باحترام القانون، ان تطبق القانون فوق كل اعتبار وتحيل الى المحاكمة والتأديب كل من تجاوزه. كما لا بد من التوضيح بداية ان حجة تنفيذ الاوامر لا قيمة لها، بحسب القانون، إذا كانت هذه الاوامر غير مشروعة. ولا بد من منح «الحصانة للموظفين الذين رفضوا الانصياع لأوامر رؤسائهم غير المشروعة»، تطبيقاً لمعايير منظمة الامم المتحدة التي يفترض ان تسترشد بها الدولة والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي.

ان استخدام عدد كبير من العسكريين الملثمين وغير الملثمين، باللباس المدني أو العسكري، القوة المفرطة والعنف غير المبرر لا قانونياً ولا مهنياً ولا أخلاقيأً بحق المواطنين والمواطنات ينبغي ان يتوقف فوراً عملاً بمقتضيات الدستور والاتفاقيات الدولية التي تعهد لبنان احترامها. وعلى وزيرة الداخلية التي سعت أمس، بطريقة غير مباشرة، الى تبرئة نفسها والمدير العام لقوى الامن، مدعية انهما لم يعطيا أوامر لاستخدام العنف، ان تأمر، قبل موعد التسلم والتسليم، المفتش العام لقوى الامن الداخلي بفتح تحقيق فوري وتوقيف الضباط والرتباء والعناصر الذين وردت صورهم وتسجيلات ومعلومات عن ارتكابهم جرائم بحق المواطنين والمواطنات في مختلف المناطق، وامام مقرّ وزارة الداخلية والبلديات. ولا بد من تذكير السيدة الوزيرة ان قوى الامن الداخلي تخضع لسلطتها بحسب القانون 17/1990، وبالتالي فان عجزها عن توقيف الممارسات الجنائية والاعتداءات الوحشية التي استمرت أياماً، يعرّضها للمحاسبة القضائية ويُعدّ تمرّداً لبعض ضباط قوى الامن على القانون عليها بصفتها الوزيرة المختصة، وقد يستوجب تدخل ضابطة عدلية أخرى بإشراف قضائي لتوقيف أي ضابط إذا ثبت تمرّده على تسلسل السلطة بحسب القانون.

وقد يظن بعض المحسوبين على طائفة او مذهب او تيار ان بإمكانهم التحجج بالتوازنات المذهبية والسياسية للإفلات من الملاحقة والمحاكمة، وهو ظن تخريبي لما تبقى من مؤسسات الدولة. وقد يظن بعض الموظفين ان تلقيهم أوامر من رئيس حكومة تصريف الاعمال مثلاً، من دون المرور بالوزيرة المختصة، باستخدام الشدة لمواجهة المتظاهرين والمتظاهرات يمنحه الحماية من الملاحقة القانونية؛ وفي ذلك الظن اثم عظيم قد ينسف أساس الدولة.

لكل فرد الحق في التحرر من المعاملة القاسية أو اللانسانية أو المهينة. وضرب قوى الامن الداخلي لهذا الحق بعرض الحائط من خلال اذلال الناس وسحلهم وخطفهم من قبل عسكريين باللباس المدني وصفع الفتيات على وجوههن وركل الشباب بعد سقوطهم على الأرض واعتقالهم في مكان لا يستوفي أدني الشروط الانسانية، وتأخير اتصالهم بمحام خلافاً للمادة 47 من قانون أصول المحاكمات، يشبه ممارسات قوى معادية للمجتمع وللدولة، ويذكرنا بممارسات المسلحين الزعران خلال الحرب.

السيدة الوزيرة قالت أمس ان عناصر قوى الامن «بشر مثلكم»، في إشارة واضحة الى لجوئها الى عبارات فضفاضة واسلوب استعطافي. لا يا مدام، ضباط ورتباء وعناصر قوى الامن الداخلي لا يحتاجون الى أي شفقة، ولا يطلبون استعطاف أحد. ولا يجوز ذلك أصلاً. هم موظفون يفترض أن يتمتعوا بالمهنية والاحتراف حتى في أصعب الظروف. ولا مكان لغضبهم وللتعبير عن عواطفهم وردّات فعل بعضهم الفردية في قانون تنظيم عملهم، ولا يسمح بالعفو عن سلوك مخالف بحجة «لحظة تخل» أو رداً على شتيمة أو حجرة أو حتى رصاصة وجهت نحوهم. وظيفة الامن يا حضرة الوزيرة تماماً مثل وظيفة الطبيب، لا يجوز ان تتحكم بها العواطف والانفعالات.

ومن المؤسف ان تساهم وزيرة الداخلية والمدير العام لقوى الامن بتدمير المؤسسات وعلاقة جزء كبير من المواطنين والمواطنات بالدولة. ومؤسف ايضاً تشويه سمعة الضباط والرتباء والعناصر الشرفاء والاكفاء الذين يتمتعون بالانضباط الأخلاقي والقانوني.

المعايير الأممية تشير الى وجوب «ضبط النفس عند استخدام القوة» و«تقليل الاضرار والاصابات الى الحد الأدنى»، بينما تدل الصور والتسجيلات والشهادات الى عكس ذلك تماماً. حيث نقلت احدى الفتيات مثلاً ان احد عناصر قوى الامن، امام ثكنة الحلو، شتمها وهددها وصفعها على وجهها بينما كانت تتظاهر سلمياً. وضرب الصحافي الزميل حسان الرفاعي وزملائه المصورين على الهواء مباشرة يفضح الاعتداء بشكل قاطع. وهناك عشرات لا بل مئات الشهادات التي يفترض ان يستمع اليها القضاء ويأمر فوراً بتوقيف المعتدين واحالتهم مخفورين الى المحكمة العسكرية تمهيداً لمحاكمتهم وانزال اشد العقوبات بحقهم وسجنهم وطردهم من السلك. ويفترض ان يشرف وزير الداخلية الجديد على ذلك اذا كان فعلاً يريد ان يتصرف كمسؤول في الدولة لا كتابع لتيار او حزب أو زمرة فاسدة.

و«يتحمل كبار المسؤولين مسؤولية ما يرتكبه أفراد الشرطة الذين يأتمرون بأمرهم من أفعال، في حالة ما اذا كان المسؤولون على علم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بتجاوزات الشرطة، لكنهم لم يتخذوا بشأنها تدابير ملموسة». ويشمل ذلك الوزيرة ريا الحسن والمدير العام لقوى الامن عماد عثمان وجميع الضباط المسؤولين في ثكنة الحلو.

بناء دولة المؤسسات يقتضي احالتهم جميعاً الى التحقيق والمحاكمة. اما اذا لم يحصل ذلك لأسباب سياسية ولدواعي التوازنات الطائفية والمذهبية والسياسية، فقد يتكرر وتتضاعف خطورة ممارسات بعض ضباط وعناصر قوى الامن الداخلي غير القانونية.

 

من ملف : المستقبل يشبّح قبل تشكيل الحكومة