IMLebanon

على أبواب هبوب العواصف الداخلية والإقليمية

 

هل استتبت الأوضاع اللبنانية على حالها القائم والمتفاعل في هذه الأيام على أسس سلطة أضحت مفاتيحها وسطوتها الأمنية والإدارية والعسكرية معقودة اللواء بالكامل لحزب الله ومواكبيه ومحازبيه؟

 

صحيح أن «سلطة» جديدة قد أطلّت إلى الوجود اللبناني فكانت مفاجأة العمر اللبناني بملامحها الغاضبة والثائرة وتخليها عن الكثير من رواسب الإنقسامات الطائفية، واكتشافها المنبعث من المعاناة والتدهور المعيشي والانحلال السياسي والإجتماعي والإقتصادي، فكانت الضوء والصحوة والأمل.

 

وصحيح أن هذه الانتفاضة التي أطلت في أواخر العام المنصرم قد أحدثت صدمة وضجة في صلب النظام القائم وألقت كتلة من الأضواء الكاشفة على مساوئه وهول أعمال النهب والسرقة التي ما انفكت تأكل خيرة الأخضر واليابس، فجردته من وسائل الصمود وإمكانيات استمرارية الحياة الآمنة والطبيعية، إلاّ أنّ واقع الحال أن السلطة القائمة قد هدأت اهتزازاتها وتجاوزت ما لحق بها من اضطراب وتحسّب لما آلت إليه الأوضاع المستجدة، وها هي قيادتها تجهد للإمساك بخيوط الأحداث، القائم منها والمتوقع، وواقع الأمر أن جهودها في هذا السبيل ما زالت مضطربة وعاجزة عن المعالجات الجذرية.

 

وها هي الإنتفاضة – الثورة تأخذ بالاعتبار جملة من المستجدات التي طرأت على الساحة السياسية والإجتماعية، وها هي تأخذ بعين الإعتبار أيضا أن الحكومة اللبنانية الجديدة قد أصبحت أمرا واقعا، وباشرت خطواتها في أوائل رحلة وجودها في هذه الساحة الحافلة بالوفير من التطلبات والتحسبات والمخاطر. وها هي في واقع الأمر، تقلل من حدة الحراك، وبعض هذا الإقلال كان طبيعيا بعد أن برزت جملة من الصعوبات والانشقاقات العنيفة التي قام بها بعض المندسين وبعض المتطرفين الذين طالعوا الحراك وخطواته السلمية بجملة من التصرفات التي استدعت قيادات الإنتفاضة القابعة في تحركاتها في ظل وهج التظاهرات وأثرها البالغ في الإمساك بمقاليد تحريك الأوضاع اللبنانية بما هو ملموس ومعروف. طوال الأشهر الماضية، تشكلت هذه الحكومة وغرقت في درس الأوضاع وسير غورها، ويوما بعد يوم، تكتشف هذه الحكومة ويكتشف معها من ألّفوها وأوقفوها على رجليها وعلى مسارها القائم وأحواله المضطربة، كم هي صعبة ومعقدة وخطيرة حقيقة الأوضاع اللبنانية الحالية؟

 

حكومة تجيء في هذه اللّجة من الأوضاع ذات التعقيد الشديد والخطورة الملّحة، خاصة ما تعلق منها بالوضع الإقتصادي والمالي وما تجاوزه إلى حد بعيد في الإطار المعيشي الذي بلغ حدود الانتشار الأفقي والعمودي بالغ الخطورة وتطور إلى حالات إجتماعية وحياتية شديدة الصعوبة بالنسبة لقطاعات واسعة من الشعب اللبناني، ويكفي أن نشهد ونسمع صيحات الإستغاثة الصادرة عن جموع ضخمة من المواطنين تطلقها وسائل الإعلام بما ليس له سابقة في مسيرة حياة اللبنانيين، يضاف إليها معاناة حقيقية لدى قطاع واسع من المواطنين الميسورين الذين أودعوا جنى أعمارهم في المصارف اللبنانية في إطارٍ من الإطمئنان الشديد عليها، فإذا بهذا الإطمئنان يتبخر مع حقيقة موجعة اكتشف فيها اللبنانيون أن ايداعاتهم التي خبأوها لآخرتهم حتى لا يتبهدلوا في ظلمة الزمن، تجيء هذه الحكومة وسط رفض شعبي لها، لئن كان في بدايته رفضا تنصل منه البعض لكون الشعارات التي رفعها رئيس الوزراء الجديد ذهبت إلى تبني مطالب الثورة في كثير من وجوهها وفي الطليعة، أن تكون مؤلفة من وزراء من أهل الإختصاص والمشهود لهم بالإستقلالية والبعيدين عن أية علاقة بأهل الحكم وأزلامه، فإذا بها حكومة تولد في أحضان الحكم والسياسة المشكو منها، بل تجيء حكومة صافية الإنتساب إلى الأوضاع السابقة، وذات لون وحيد وانتماء متجذر إلى الحكم وروابطه وانتماءاته. على كلٍّ، شاء بعض المعارضين الحاليين التصرف بصورة معتدلة مفسحة في المجال أمام هذه الحكومة لخوض التجربة الصعبة بل شبه المستحيلة، فهي حكومة ذات انتماء واضح ومحدد، ولا علاقة لها بشعارات الثورة الشعبية إلاّ في بعض من إطاراتها العامة، وإذا كان الإنقاذ والخلاص من جحيم الأوضاع العامة القائمة الذي انطلقت الثورة – الإنتفاضة من صميم وضعه الحالي وآفاقه المستقبلية، يدعو ويتبنى مبدأ النأي بالنفس، فإن الأوضاع التي أطلقت هذه الحكومة إلى الوجود قد وضعت نفسها في عزلة عن دول الخليج وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، وهي عزلة ما زالت قائمة ومتفاقمة، وهناك من المعلومات ما يؤكد أن هذه الدول ستبقى منقطعة عن التواصل الإيجابي مع الحكم اللبناني القائم، ولنا في عمليات السب والتطاول التي صدرت في بعض أوساطنا أوضح سبب وتبرير، يضاف إلى وجه آخر من الوجوه السيئة التي رافقت تأليف الحكومة وما أثارته صفقة العصر من عواصف هائلة الوقع والأثر في المنطقة عموما وفي لبنان خصوصا، حيث قضية التوطين أمر محظور وفقا لما ورد في مقدمة الدستور اللبناني وفي قناعات اللبنانين جميعا، وفي صلب المواقف الفلسطينية بمن فيها اللاجئون الفلسطينيون في هذا البلد الذي استضافهم ورعى إقامتهم وما يزال. وستكون هذه القضية محورا عنيف الوقع والأثر في تطور الأحداث والمواقف اللبنانية المقبلة.