Site icon IMLebanon

في «زمن كورونا».. الانتفاضة تتكيّف بأساليب جديدة

 

يوم بعد الآخر، تواجه الانتفاضة الشعبية تحديات جديدة وعثرات كبيرة قد لا يكون بدء انتشار مرض «كورونا» في لبنان آخرها، لكنه بالتأكيد قد يكون أخطرها.

 

لم يكن منتفضو الشارع في انتظار ما ستخرج به الحكومة ورئيسها حسان دياب حول سندات «اليوروبوند»، أو غيرها من المقررات، فقد اتخذ القرار منذ زمن حيال الحكومة وطبيعتها والسلطة السياسية في ظل افتقاد تام للثقة مع الطبقة الحاكمة.

 

أمان كاذب

 

بالنسبة إلى الرأي الغالب في الحراك، لا عذر لدياب إذا ما تلقف «كرة النار» وتراكمت الأزمات لكي تنفجر في وجهه، وبينما يخشى الجميع أن تكبر هذه الكرة في الأسابيع المقبلة وتتعمق الأزمات ما سيعني المزيد من الاحتجاجات الشعبية وحتى خطر النزوع نحو العنف الأمني والإجتماعي، فقد اعتبر الحراك أن الخطاب الاخير لدياب جاء ليعمق من تلك المخاوف، برغم محاكاته في الشكل لخطاب الإنتفاضة «حتى خيل إلينا أننا أمام أحد الناشطين بيننا».

 

لكن الخطاب سحب فتيل المزيد من إشعال غضب الناس والذين كانوا يخشون الخضوع لمنطق دفع «اليوروبوند» وحتى جزئيا. وناهيك عن أن المفاوضات مع الدائنين قد لا تفضي إلى شطب ديون وإنما مبادلتها بديون أخرى، إلا أن خطاب دياب جاء إنشائيا وتوصيفيا من دون تقديم الحلول، حسب القيادي في الحراك علي عباس الذي يختصر لسان حال المجموعات المدنية على الأرض التي سرعان ما أعربت عن عدم رضاها عما سمعته من رئيس الحكومة.

 

بالنسبة الى هؤلاء، لم يترجم دياب الوعود عمليا واكتفى بتقديم «أمان كاذب لنا مثلما فعل وزير الصحة»، حسب عباس.

 

لذا، شرع الناشطون في الانتفاضة في تحركات خلال الايام الماضية من المنتظر أن تستمر في المرحلة المقبلة وإن ستتخذ أشكالا جديدة نتيجة بدء تفشي «كورونا»، الخطر الذي لم يكن منتظراً على الانتفاضة.

 

خطر غير مسبوق

 

على هذا الصعيد، بدأ المنتفضون يتعاطون عملياً مع تطور من شأنه أن يشكل تحديا كبيرا للحراك في اتجاه تهديده فعليا. سريعا، تم إلغاء نشاطات ضخمة عديدة مثل تلك التي كانت مقررة في بيروت لمناسبة يوم المرأة العالمي، ثم اتخذ قرار آخر بإلغاء نشاطات أخرى مناطقية متعلقة بهذه المناسبة كما في طرابلس.

 

لن يكون الأمر سهلا كون المرض لم يكن في الحسبان، لكن إجراءات لوجستية سيتم اتخاذها في النشاطات خلال الايام المقبلة لن يتم اللجوء الى الحشود الكبيرة فيها. لن تُشكل سلاسل بشرية كما في السابق، لا تقارب كبير بين المتظاهرين برغم صعوبة تحقيق ذلك، وستتم الإستعاضة عن مثل هذه الأمور عبر الاحتفاظ بمسافات معقولة بين الناشطين، كما سيتم اللجوء الى استعمال الكمامات وتطهير الأيدي أو استعمال «الكفوف» وغيرها من الإجراءات التي من شأنها أن تحاول حماية الناشطين والذود عن الإنتفاضة.

 

هي تحركات منسجمة مع الواقع المستجد المنتظر تصاعد خطره في المرحلة المقبلة في ظل بلد شبه مهترىء وموبوء أصلا بالفساد والطائفية والتحاصص.

 

القضاء والمصارف

 

على أن جدول الاحتجاجات سيكون حافلا: تحركات أمام القضاء للضغط في سبيل عدم التراجع عن التشكيلات القضائية التي لم تعجب بعض السياسيين الذين يضغطون لإعادة النظر ببعضها وفرض أسماء في مناصب حساسة، كما في سبيل إقرار قانون استقلالية القضاء الذي يقبع في اللجان النيابية، كما يشير عباس.

 

في موازاة ذلك، ستستمر التحركات القائمة أصلا على صعيد قضية الإتصالات والإحتجاج على ظلم المصارف الذي يلقى رواجا عند بعض أحزاب السلطة ومنها معظم مُشكلي الحكومة، حتى أن بعض مناصري الأحزاب قد شاركوا أخيراً الناشطين في بعض احتجاجاتهم تلك.

 

والحال أن عدم دفع «اليوروبوند» جاء بفعل ضغط الشارع «ولا منّة لدياب علينا»، وإلا فإن الوضع كان ليسوء أكثر بكثير، علما بأن القرار الذي قد يؤدي الى تقهقر تصنيف لبنان في المؤسسات الدولية، ربما شكل مخرجاً لدياب نفسه الذي أعلن ان احتياطيات لبنان من العملات الصعبة قد بلغ مستوى حرجاً وخطيراً، ويشير البعض بين يسار الحراك الى أن قرار تعليق سداد الاستحقاق المقبل هو في مثابة إعلان «الإفلاس المؤجل».

 

في كل الأحوال بات لبنان بلداً متعثرا بالنسبة الى كثيرين، يأتي ذلك في الوقت الذي يرى فيه الحراك المعركة الدائرة بين بعض أقطاب السياسة والمصارف كونها «لعبة مصالح بما أن الجميع في منظومة واحدة بالنسبة إلينا ولن نكون طرفا في صراع سيشتد وسيكون قاسيا بين السلطة والمصارف التي يريد بعض أركان السلطة إعادة هيكلة قطاعها، وهذا يعني تخفيض ميزانيات مصرف لبنان والمصارف حيث لسياسيين مصالح عميقة».

 

الحكومة انضمت إلينا!

 

أمام كل ذلك، تبدو الحكومة في سباق مع الزمن وعليها مقارعة صعاب عديدة تهم الناس وعلى رأسها تدهور سعر الليرة والغلاء الفاحش في الأسعار التي لا رقابة فعلية عليها. وستجاهد الحكومة للظفر بمساعدات حقيقية دولية أو عربية لوقف الإنهيار، ويسخر بعض المنتفضين من عدم دفع الحكومة لـ«اليوروبوند» بالقول «إنها انضمت الينا في حملة مش دافعين التي باتت رسمية اليوم».

 

ولا زالت الأسئلة الكبرى من جهة الحراك تطرح نفسها بينها رفض تركيبة الحكومة كونها تعكس مرآة للسياسيين الفاسدين، ولا شك بالنسبة الى المنتفضين بأن طلب المساعدة الدولية الرسمية عبر البنك الدولي أو صندوق النقد ستعني إجراءات قاسية جدا على المواطن لن تفعل سوى بتفجير الشارع من جديد، في الوقت الذي بدأت فيه فعاليات الحراك بالتراجع حسب كثيرين حتى ضمن صفوف المنتفضين.

 

وبرغم كل ذلك، فقد كان واضحا أن بعض الحراك قد وفر فرصة للحكومة للعمل في ظل مهلة سماح منحها إياها الشارع ومعه المعارضة، وقد بدأت هذه المهلة تنفذ ما من شأنه أن يضع الحكومة في موقف حرج في الوقت الذي يتربص فيه كثيرون لها.