ترافقت جلسة البرلمان التشريعية مع العديد من المفارقات. أهمها تزامن عودة النشاط للانتفاضة الشعبية في الشارع مع انعقادها، وسط تدابير الحماية من كورونا. فالتزام التباعد الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية زاد من التباعد السياسي أيضاً بين الناس والسلطة.
عودة الثوار إلى الشارع بعد 70 يوماً من نيل حكومة الرئيس حسان دياب ثقة البرلمان لم تكن صدفة. فقادة المجموعات المحرّكة للثوار منذ 17 تشرين الأول كانوا توقعوا بعيد تأليفها في 21 كانون الثاني أن يعود الحراك في الشارع بعد 3 أشهر. وبالأمس صادف مرور الأشهر الثلاثة على التأليف بالتمام، على رغم أن أركان الحكومة يحتسبون المهلة من تاريخ نيل الثقة في 11 شباط.
في بعض الخطب والتصريحات للرئيس دياب، وفي البيان الوزاري، دأب على ذكر انتفاضة الشعب اللبناني ضد الطبقة السياسية ناسباً لحكومته أنها جاءت من رحمها، وأنها تشكلت من أجل تحقيق تطلعات المنتفضين ضد الفساد والهدر والزبائنية والسرقات لأموال الخزينة. وبدا أنه يتسلح بالثوار في وجه بعض القوى السياسية التي تعارض بعض خطواته ومواقفه.
لكن العائدين إلى الشوارع لم يخفوا خيبة أملهم من الحكومة، نظراً إلى أن جزءاً من الجمهور اللبناني أمل بمنحها فرصة للإنجاز، لكنها حتى الآن لم تقدم على الخطوات التي تثبت تحديها لأساليب المحاصصة في ممارسة السلطة، وتقاسم المغانم واستقلالها عن المنظومة السياسية التي اتهمها الثوار قبل 7 أشهر بتقويض الدولة. إشارة واحدة أو اثنتان كانتا لتدلان إلى أن الحكومة قادرة على إجراءات عملية، ربما كانت أعطتها رصيداً يشجع على البحث في مساعدتها لإخراج البلد من مأزقه، مثل تصديها من الأسبوع الأول لأزمة الكهرباء بالتعيينات المطلوبة لمجلس إدارتها وللهيئة الناظمة في القطاع وفي الاتصالات، أو ضبط التهريب من المعابر الشرعية إذا كان ضبطه من غير الشرعية يتطلب ظرفاً إقليمياً مناسباً… لربما كان وقع خطوات كهذه مساعداً على استعادة بعض الثقة ولجم الارتفاع الجنوني للدولار، وأسعار المواد الغذائية، (وهما سببان مباشران لنزول الناس مجدداً إلى الشارع متخطين شروط السلامة الصحية) ولكانت تركت ارتياحاً لدى المانحين، بأن بشائر ينتظرونها تظهر، كي يستأنفوا التفكير بالدعم. لكن بعض رموز الحكومة استرسل في الانصياع لإدارة قوى المحاصصة والتسلط على المؤسسات، من الأطراف التي أتت بهم، كما في مشروع التعيينات المالية، ثم في المراوغة إزاء التشكيلات القضائية خلافاً لادعاء التمسك باستقلالية القضاء… ناهيك عن التخبط بفكرة الاقتطاع من الودائع.
تسابق المنظومة السياسية الزمن. وفي حين ترك وباء كورونا التباسات في تبرير أسباب تأخر خطوات الحكومة، فإن الجائحة العالمية شكلت عائقاً كبيراً يضاف إلى خسارتها الوقت.
مع اقتناع الحكومة بأن لا خلاص للبنان إلا بدعم خارجي، فإن انهيارات اقتصادات عالمية وأسعار النفط، وضعت لبنان في آخر الاهتمامات. وكل يوم يمر تتضاءل فرص الدعم الخارجي ومعها قدرة رعاة الحكومة على إدارة عملها، بما فيهم “حزب الله” المطالَب بسلوك يخرج لبنان من الحصار الخارجي.
لا تنفع المواربة في الكلام إذا كانت القوى السياسية التي أنتجت الحكومة ما زالت على أسلوبها، ولا يفيد الحكومة تغطيتها الأهداف الكيدية لبعض هذه القوى، بعناوين رنانة كاستعادة المال المنهوب والموهوب والمهرب.