بدأت الاحتجاجات العودة إلى الشارع مدفوعة بانخفاض قيمة الليرة وتآكل مداخيل المواطنين. في وقت تحاول فيه جهات سياسية تصنيف التحرّكات بنيّة إفشالها. فاندفع مواطنون إلى الشارع متجاوزين تعاميم السلطة وأوامرها، واعتصموا في بعض الطرقات وحاولوا إقفال بعضها، فيما سارعت القوى الأمنية، من جيش ودرك، للعمل على منع إقفال الطرقات وإعادة فتحها. وعلى الرغم من إقتصار الإقفال على بعض الطرق ولفترات محدودة، سارع وزير الصحة، حمد حسن، لابتزاز المواطنين بصحتهم. فأعلن الوزير “إرجاء حملات إجراء الفحوص من عينات في مختلف المناطق، التي كانت مقررة أمس، إلى اليوم بسبب اقفال الطرق”. وفات الوزير أن آلاف المواطنين ما عادوا يأبهون لاحتمال إصابتهم بكورونا، فيما بات الجوع واقعاً، وأن التخويف قد لا ينفع سوى مع من يمتلك رفاهية الوقاية.
وفيما عاد وسم #لبنان- ينتفض ليتصدر على “تويتر” ويكون الأكثر استخداماً في لبنان، تعمّد مغرّدون آخرون استخدام وسم #7_أيار للتعبير عن شعورهم بفائض القوة والاستعداد لاستخدام السلاح ضد اللبنانيين الذين يختلفون معهم في السياسة، مهددين السلم الأهلي. ولم يتردد بعض هؤلاء في عرض صور سلاحهم مرفقة بالتهديدات والتأكيد على الجهوزية.
وشهدت الأرض تحركات في مناطق مختلفة، وإن لا يزال الزخم ضعيفاً، إلا أنه ينذر بانفجار قريب سيشهده الشارع اللبناني في الأيام المقبلة في ظل استمرار تآكل القدرة الشرائية للمواطنين. فعلى أوتوستراد الزوق نزل مواطنون وحاولوا إقفاله، فكان الجيش لهم بالمرصاد ودفع المحتجين إلى خارج الطريق وضرب بعضهم، فتدخل عناصر آخرون لتهدئة زملائهم. وحاول مواطنون إقناع الجيش بعدم الوقوف في وجههم بل بالإنضمام إليهم، باعتبار أن الجندي أيضاً متضرر ولم تعد قيمة راتبه تتجاوز الـ 300 دولار. هي محاولات لم تفلح في دفع الجيش للتهاون معهم. وعبّر متظاهر عن لامبالاته من احتمال سجنه علّه يجد في السّجن قوت يومه.
في ساحة الشهداء نزل بعض الذين اعتادوا ملازمة الساحة للاحتجاج، في محاولة لإعادة المنتفضين إلى الساحات. لكن المحاولة لم تفلح، وظل عدد المحتجين قليلاً، ما مكّن قوى مكافحة الشغب من تطويقهم ومنعهم من قطع الطريق قرب جامع الأمين ومن ثم الاعتداء عليهم بالضرب بالهراوات. وقطع محتجون الطريق عند تقاطع الشيفروليه في فرن الشباك، لكن الجيش أعاد فتحها بعد مناوشات مع المحتجين. كذلك تظاهر مواطنون للاحتجاج في النبطية والناعمة، وفي صيدا احتج شباّن على جشع التجار في سوق الحسبة لتعمدهم رفع أسعار الخضار.
في حديث إلى “نداء الوطن” يرى فادي كنج، من مجموعة “ثورة مستمرة”، أن الحكومة قد كشفت عن وجه “قد يكون أشرس من الحكومات السابقة لأنها لم تلتفت إلى الشعب اللبناني ولا إلى الأمن الغذائي والاجتماعي ولا إلى عملية التغيير السياسي، وهي تمثل الحكومات السابقة بأسماء مختلفة”. ورداً على قرار وزير الصحة، يقول كنج إن “التحركات قد تكون أكثر عفوية مما يعتقد الوزير لأن الناس لم تعد تجد ما تأكله”. ويبدو أن الكثير من المنتفضين باتوا يراهنون على أن الواقع المرير سيدفع بالمواطنين للإنقضاض على السلطة. وهو ما يعبر عنه كنج بالقول إن “الحليف الأول لهذه الانتفاضة هو الجوع. السلطة السياسية لا تنتج حلولاً، ولا تملك خيار الاستدانة. الجوع حليف الشعب من أجل إنتاج تغيير حقيقي ونظام سياسي يقوم على الحريات والعدالة الإجتماعية”. من هذا المنطلق يرى الناشط، كما كثيرون غيره، أن ما يحصل سيؤدي إلى ثورة على النظام الذي ينتج السلطة نفسها بأسماء مختلفة.