IMLebanon

بعد أن طفح الكيل: ثورة الجياع

 

أما والقيامة قائمة في البلاد ما بين حكومة ملتبسة الإنتماء والتصرف، ومعارضة نيابية وضعت نفسها خارج إطارات الحكم والتحكم وتركت الأحداث تتوالى في يد راعيها الأول والأخير حزب الله ولواحقه.

 

وأما وأن أوضاع البلاد والعباد باتت سائبة ومتروكة لمشيئة الفريق الواحد المذكور، ترعاها قوى الفرض الممنهج في ابتلاع السلطة والنفوذ ونقلها مشيئات الخارج الإقليمي، يتحكم بها إنطلاقا من مبدأ: سيري فالعين الإقليمية ترعاك.

 

وأما ونحن في بلد له دستوره وله قوانينه وله مبادئه الوطنية والميثاقية التي جعلت منه نموذجا للوطن التآلفي الذي أثبت تاريخه أنه قادر متى شاء أبناؤه أن يظهر للوجود في إطارات من الحكم الحديث المتطور، وقد عشنا هذا الوضع بأبهى صوره في أكثر من مرحلة تاريخية أبرزها تلك المرحلة التي قادها الرئيس الراحل فؤاد شهاب، وتشكلت من خلالها مدرسة في الحكم ما زلنا نصبو إلى مثيل لها، خاصة في هذه الظروف المتدهورة التي يعاني منها شعبنا أمرّ الأمرّين، لدرجة وصل فيها إلى حال من الإنتفاضة المتجددة، غير العابئة بوباء الكورونا وآثاره على حياة المواطنين وصولاً بها إلى الموت الزؤام حيث وصل بنا الأمر إلى حد المفاضلة بين موت تسببه لنا عدوى ذلك الفيروس القاتل وتناقله العفوي بين الناس من مجرد التواصل الإجتماعي والتنقل في الأماكن العامة والخاصة، وبين موت لا مناص منه نتيجة للجوع والمرض والحاجات الحياتية المتفاقمة التي تلحق المواطنين وعائلاتهم وأطفالهم، ففضلوا الموت وقوفا ومتظاهرين وهم ما زالوا بعد أحياء من خلال التظاهرات التلقائية التي انطلقت في مناطق مختلفة من الوطن على كافة امتداداته وانتماءاته المناطقية والفئوية وذهب ضحيتها قتلى وجرحى طاولت المتظاهرين والمعترضين على حالات الموت من الجوع والحاجة الحياتية المؤلمة.

 

وكان من المستغرب حقا أن طاولنا بعض المسؤولين في حكومة الرئيس دياب مستغربين هذه التظاهرات وسط احتمالات العدوى الكورونية، وفي طليعتهم، أبرزهم وأنشطهم وأفضلهم، وزير الصحة الذي لا بد لنا جميعا من الإشادة بجهوده الشخصية المعطاءة والمخلصة والتي طورت لنا نظاما طبيا وقائيا كان له أثره الإيجابي في أكثر من موقع وأكثر من مجال، والأمور الإيجابية تتوقف بحكومتنا الحالية العتيدة عند هذا الحد من النجاح الصحي المحدود والمشكور في مطلق الأحوال، واذا بالرئيس دياب يطل علينا من علياء متسلحة بنجاح زميله وزير الصحة وتسليمه أمور القيادة إلى مالكيها في التيار الوطني الحر،  وموجهيها في الحزب الرئيسي الحاكم والمتحكم، والعائدة إلى أصولها في اتخاذ القرارات المستمعة بإصغاء شديد حولتها الأيام والتطورات، إلى توجيهات وإملاءات القائمقامين عن النظام السوري المستمر في طموحه إلى استعادة بعض معالم أدواره القديمة وإن كان قد سلّم شؤونها وشجونها إلى قادة خلفائه المحليين. إن الإتهامات الموجهة إلى حاكم البنك المركزي لا تخلو في الواقع من بعض المآخذ التي يجمع القادة المحليون والإقليميون والدوليون على أنها ليست محصورة به منفردا، بل هي حصيلة شاملة عن مسؤوليات عميقة الجذور تطاول جهات أساسية عريقة في تواجدها في السلطة وانكبابها على استغلال مواقعها ومراكزها والحمايات العظمى المتوفرة لها لإحقاق عمليات السرقة الموصوفة التي طاولت البلاد في أقصى وأهم مواقعها المالية والإقتصادية الحساسة، وأمعنت في خيراتها نهباً لا يحد إلى الدرجة التي أوصلتنا إلى هذه الحال التي دفعت بالدولار إلى أن تشكل وحداته ثروات صغيرة وبرواتب الموظفين ودخل المواطنين، أصفاراً مكعبة، لا تسمن ولا تغني من جوع. من هنا كانت هذه الإنتفاضة الشاملة المتجددة والمندفعة بين بحار من الأخطار، وفي طليعتها داء الكورونا، غير عابئة بوجوده وامتداداته وأظافر الموت المنطلقة من تغلغله بين الناس. ما يحصل بالنسبة للمتجددين في انتفاضتهم هو خيار بين موت من المرض المحتمل، والجوع الهاجم عليهم وعلى أولادهم وحشا كاسرا ملموسا لمس اليد والفم والمعدة الخاوية، فلا تؤاخذوهم سيدي وزير الصحة الناجح حتى الآن، إن عطلوا بعضا من مسيرتكم الصحية الناجحة ولا تؤاخذنا سيدي رئيس مجلس الوزراء إن طالب الجياع بإسقاط حكومتك التي أملوا فيها في البداية بعضا من الجهود والحركة الصائبة والإستهداف المحدد، فإذا بنا أمام أشهر لم يلمسوا فيها إلاّ بعض الإستهدافات الإنتقائية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. طالما طالبك كثيرون وتركوا لك مجالا واسعا لتحديد أهداف هامة لم تأت على ذكرها ولم تطلق نحوها أية رصاصة معنوية أو مادية رادعة، كثيرون يتهيأون لهز ركائز هذه الحكومة بعدما أثبتت الظروف والمستجدات والحقائق أنها قابلة للإهتزاز الشديد.

 

أما وقد عمد حاكم البنك المركزي إلى الرد بمطالعة مكتوبة ومحسوبة ومدققة. وأما وقد كشف بموجبها بعضا من الأخبار والأسرار. وأما والمسؤوليات الشاملة قد باتت تحت جملة من الأضواء الكاشفة، فإننا بانتظار مستجدات الأيام المقبلة ودراسة رد الحاكم على مجمل الوضع المالي من خلال سياسة وممارسات مصرف لبنان، وهي لا شك ستكون أياما حافلة بالإضاءات والإكتشافات والمستجدات التي نأمل أن تقلل من العوائق والمصاعب التي تحول دون انطلاقة الإقتصاد اللبناني وثباته، وتجنب لبنان وضعية إفلاسية يحاول جاهدا أن يتخلص منها، وهو في سبيل هذه الغاية يحتاج إلى تعاضد الفئات والجهات اللبنانية جميعا وتخليصها من العوائق القاتلة التي ما زالت تلوح في الأجواء والنوايا الخفية، خاصة منها ما كان يتمحور في إطار اختلاق وضعية انقلابية تقضي على ما تبقى من أسس النظام اللبناني الإقتصادي الحرّ والمنفتح على إطارات الواقع الإقتصادي السائد في المنطقة العربية، بما يتماشى مع مصالح لبنان العليا ومحاولات الزج به بالشدائد الإقليمية.