IMLebanon

الثورة والنقاء  

 

عندما تسيل الدماء تزداد  الأمور تعقيداً، ويصبح الباب مفتوحاً على الاحتمالات كلها، خصوصاً على أسوئها. ودم الشهيد علاء بو فخر المسؤول في الحزب التقدمي الاشتراكي، يمكن أن يكون ذخيرة ومدخلاً الى الخلاص قدر ما يمكن أن يكون مدخلاً لمزيد من التدهور. ويقتضي الإنصاف الاعتراف للوزير وليد جنبلاط بأنّه تعامل مع الحادثة المؤلمة كرجل دولة، مسؤول، يجيد قراءة الأحداث واستقراء المتوقع من التطورات. والذين استمعوا الى كلامه، في ردّة الفعل الاولى على حادثة خلده الخطرة، والى نبرة صوته، أدركوا جسامة الموقف ودقته وصعوبته.

 

إنّ أحداً في لبنان لا يستطيع أنْ يربح في الشارع. ذلك أن الساحات ليست وقفاً على طرفٍ دون آخر. وإذا كان الشارع يشهد حراكاً من أطرافٍ عديدة أقبلت  إليه، في منطلق هذا الحراك الكبير، فإنّ الأطراف في الجهة «المقابلة» يمكنها أن تحقق أيضاً حراكاً كبيراً.

 

صحيح أنّ الإقبال الحاشد على الشارع جمع، في منطلقه،  اللبنانيين الموجوعين عن حق، والمقهورين عن حق، والجائعين عن حق… وأن الحشود تخطّت الحواجز الطائفية والمذهبية والمناطقية، وكسرت الحاجز الأهم وهو حاجز  الخوف.

 

ولكن الثورة اليوم باتت تلامس حدود السياسة. وفي تقديرنا أن تسييسها هو أكبر أعدائها. لذلك «يجب» أنْ تحافظ  الثورة على نقائها وطهارتها وتطرد من يعمل على استغلالها وحرفها عن بهائها وصدقها.

 

1 Banner El Shark 728×90

 

ومطالب الثورة هي مطالب حق لا ريب فيها إلاّ أن رفع السقوف لن يوصل الى أي مكان.  وشعار سقوطهم (المسؤولين) «كلّن يعني كلّن» هل يدرك الذين يطلقونه أنه (في حال تحقيقه) يؤدي إلى سقوط الدولة.

 

أليس هذا ما حذّر منه وليد جنبلاط أمس؟

 

الثورة التي بدأت مشرقة لا يجوز أن تتخلّى عن إشراقها. إنّ ما حفلت به ساحة النور في طرابلس من انتفاضة يدعو إلى الاعتزاز بأبناء «مدينة العلم والعلماء» الذين سجّل حراكهم السلمي الرائع مثالاً يحتذى ليس للمنتفضين في لبنان وحسب إنما لأي حراك وانتفاضة وثورة في العالم كلّه. وسيسجل التاريخ لهؤلاء الطرابلسيين أنهم نجحوا في ساعات وأيام وأسابيع في أن يقدّموا وجهاً ناصعاً لمدينتهم التي أساء إليها البعض… ولعلّ أكثر من أساء إليها، عبر التاريخ الحديث، بعض من تولّى المسؤولية العامة العليا من قياداتها، وهي المدينة التي طلع  منها خمسة رؤساء حكومة، فإذا كانت طرابلس تعاني هذا القدر الكبير من الحرمان والفقر (…) والتي تحتاج الى الكثير من المشاريع، والتي تحوّل معرضها الدولي الى قاعدة تُستغلّ للمناسبات الرياضية والاجتماعية الخ… فالمسؤولية الأولى في ذلك تقع على عاتق أولئك الذين أعطتهم مدينتهم الكثير، فلم يعطوها سوى الوعود.