ضرب الحراك موعداً جديداً لتذكير السلطة بأنّه لا يزال يلعب دور المراقب الفعّال، واتخذ من السادس من حزيران موعداً لانتفاضته الثانية، بعد أن «خذلته» الحكومة الجديدة التي لم تختلف عن سابقاتها من حيث النهج ومقاربة الملفات.
هذه المرة اتخذت التعبئة العامة بعداً آخر لا يشبه تعبئة كورونا، هي تعبئة «ثورية شعبية» رفضاً للاستهتار ولامبالاة السلطة. وهذه التعبئة بدأ وهجها يتصاعد ويرتفع سقف المطالبات، منذ الاحتجاجات امام وزارة الطاقة وقصر العدل التي نادت بمحاكمة كل الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة لتورطهم بالفساد الكبير، إلى الوقفة التي نفذّها محتجون اخيراً امام قصر العدل، والتي طالبت بنزع سلاح «حزب الله» وكل سلاح غير شرعي، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وصولاً إلى الاحتجاجات التي خرقت حواجز بعبدا، نحو القصر الجمهوري.
هذه التطورات، بحسب منظمين في الحراك، أنهت مرحلة من الانتفاضة، وهي تؤشر الى بدء مرحلة جديدة، يرتبط فيها المعيشي بالسياسي. فعناوين كبيرة ستُطرح في ساحة الشهداء السبت المقبل، منها ما يتعلق بسلاح «حزب الله» ومنها يطاول رئيس الجمهورية.
عوامل متعددة دخلت على الخط في اليومين الأخيرين، أبرزها إعلان «حزب الكتائب اللّبنانية» رسمياً مشاركته بالتظاهرة، في حين نأت قوى سياسية أخرى بنفسها عن المشاركة فيها، وخصوصاً «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي».
كذلك، برز «التجييش» الذي أطلقته الأحزاب الحاكمة على مواقع التواصل الإجتماعي، وعلى رأسها جيش «حزب الله» الإلكتروني، الذي إعتبر أنّ التظاهرة موجّهة بالدرجة الأولى ضدّه، وضدّ سلاحه، وأنّ مطالب المتظاهرين تتمحوّر حول نزع سلاح «حزب الله» وإسقاط العهد».
هذه الموجة من الغضب، من قِبل جمهور الحزب، إعتبرتها مصادر مواكبة لعملية التنظيم، أنّها ذو حدّين: الأوّل هو لتخريب التظاهرة، عبر تخويف الناس من المواجهة التي قد تحصل بين الشارعين، على غرار ما كان يحصل على الرينغ سابقاً. مقابل، تجييش من هم ضدّ السلاح للنزول الى الشارع وتحوير مسار التظاهرة».
لكنّ مصادر أخرى من الحراك، لفتت الى أنّ تظاهرة السبت، ستحمل عناوين متعدّدة، اذ سترفع بعض المجموعات شعار «نزع السلاح غير الشرعي»، من دون أن يعني ذلك أنّها تقصد «حزب الله»، إنّما إنطلاقاً من مبدأ أنّ السلاح يجب أن يكون بيد الدولة وأجهزتها الأمنية فقط». وتشير المصادر نفسها، الى أنّ «حزب اللّه» يخرق معظم مجموعات الحراك، وقد طلب منها سحب موضوع السلاح وكل ما له علاقة بالقرارات الدولية من التداول في تظاهرة السبت، كي يشارك أنصاره بالحراك، إنطلاقاً من أنّهم يعيشون كسواهم من اللّبنانيين دون خطّ الفقر».
من جهّة ثانية، تلمّح المصادر الى أنّ جهّات أمنية لها مصلحة بإعادة إحياء الإنتفاضة من جديد»، مشيرة الى أنّ «توقيف الناشط ربيع الزين في هذا التوقيت بالذات، من شأنه أن يشدّ عصب المجموعات التي يدعمها الزين».
الى ذلك، إنتشر تسجيل صوتي للنائب شامل روكز، يعلن فيه أنّ تظاهرة السبت لن تكون الأخيرة، ويلمح الى إمكانية مشاركته في التظاهرات إذ قال: «إذا ما كان الحشد كبير السبت، المرّة الجايي رح يكون كبير كتير أكتر ما تتصوّرو، ما تعتلو هم واتّكلو علينا».
وفي السياق، بدأت حملة الهجوم على الأحزاب المعارضة من قِبل بعض مجموعات المجتمع المدني، حتّى قبل أن تعلن الأخيرة موقفها النهائي المشاركة أو عدمها. الّا أنّ جماهير الأحزاب المعارضة تبدي إستعدادها للنزول الى الشارع السبت مع أو من دون إيعاز حزبي، فحتّى تاريخه لم توعز «القوات اللّبنانية» ولا تيار «المستقبل» ولا «الإشتراكي» الى جماهيرها بالمشاركة. ووفق المعلومات، فهي لا تزال تدرس إمكانية مشاركتها «رسمياً» (بإستثناء المستقبل الذي نفى في بيان مشاركته).
وبحسب بعض المشاركين في الحراك، كل المؤشّرات تشير الى أنّ تظاهرة 6 حزيران لن تكون كسابقاتها، لناحية حصر المطالب بالحياتية والاقتصادية، بل ستحمل عناوين سياسية، تخلق تباينات حول الأولويات تكاد لا «تعكّر صفوها» حول نقاط ثلاث هي أنّ:
– الأولوية اليوم ليست للسلاح في ظل الوضع المعيشي الصعب.
– إنّ المطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية في الشارع، وتحميله مسؤولية ما آلت اليه الأمور، من شأنه أن يلحق ضرراً معنوياً على موقع الرئاسة الأولى.
– تبايناً ثالثاً محوره الإنتخابات النيابية المبكرة، إذ يتخوّف البعض من أن يعيد قانون الانتخابات الحالي الطبقة السياسية عينها.
من جهة اخرى، اكّدت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» على حق التظاهر والتعبير عن الرأي، وعلى سلمية الحراك وعدم الاعتداء على الاملاك العامة والخاصة. أمّا إذا كان التحرّك الذي حُكي عنه يندرج في سياق الحراك الفوضوي الذي حصل قبل ايام قليلة، فهذا ينسف المطالب الشعبية المحقة، وبالتالي لن يُسمح لأحد بأن يتغطّى بمطالب شعبوية لتحقيق مآرب فوضوية وتخريبية.