“هؤلاء ليسوا أبناء شعبي. إنهم أشبه بكائنات فضائية” قالت ذات يوم زوجة رئيس التشيلي الملياردير سيباستيان بانييرا عن الثائرين. شاءت الصدف ان يتزامن مرورُ شهرٍ على انتفاضة الشعب اللبناني مع انتفاضة التشيلي.
قبل نزول الملايين الى الشوارع كان الرئيس التشيلي يقول: “تشيلي فردوسٌ ونحن محسودون عليه”. ثم تدرّج الكلام إلى: “عودوا الى البيت. أخرجوا من الشوارع ونحن نتفهم مطالبكم”.
غريبٌ توارد الخواطر. قال عمر حسن البشير الجملة نفسها قبل أن يجرفه تيارُ التغيير في السودان. لم تكن زوجة فخامة الرئيس طبعاً على اطلاع بوصف القذافي لمعارضيه بـ “الكلاب الضالة” ونعت بشار الأسد لهم بالـ”جراثيم” فيما اعتبرهم الرئيس مبارك “مندسين”.
ولا شكّ في أنّ عبارة “كائنات فضائية” أكثر تهذيباً من “مندسين وأتباع سفارات”. لا بأس. بوسع أركان السلطة لدينا استخدام هذا التعبير اللائق، بما أنّ حساسيتهم المفرطة إزاء الـ”هيلا هيلا هو” أحرجت كثيرين وأبكت القلوب الضعيفة، في حين أدرجوا سرقاتهم ونهبهم للبلاد في خانة “أخلاقيات” الحوار!
لأصحاب “نظرية المؤامرة” الاحتفال بالتشابه الصارخ. فقطع الطرقات بالدواليب المحترقة وقرع الطناجر مشتركٌ بيننا وبين تشيلي. يطالب التشيليون بالطبابة والتعليم والخدمات ووقف الكسارات المدمّرة للبيئة. لديهم ألف “فتوش” مثلنا. يريدون إنهاء هيمنة منظومة الفساد والإفساد على السياسة والاقتصاد. ونحن مثلهم. يطالبون بالخبز والحرية، وشعبنا يريد. لديهم كائنٌ يشبه الوزير محمد شقير زاد سعر بطاقة المترو 30 بيزوس فاشتعلت الأنفاق والطرقات.
صاح التشيليون “كلن يعني كلن” مندّدين بحكومات اليمين واليسار المتعاقبة منذ 1990، تاريخ انتهاء عهد الجنرال بينوشيه، الذي صبغ تشيلي بالدم من 11 أيلول 1973 يوم انقلب على الرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي بدعم من الـ “سي.أي.ايه”…
فقراء، محتاجون، طلاب مدارس، أبناء طبقة وسطى هتفوا معاً في الشوارع ضدّ خصخصة ذهبت الى جيوب أهل السلطة والأقرباء والأصحاب. ونموذجٌ اقتصادي فاقم التفاوت بين أغنياء وفقراء. وسياساتٌ مالية مدمرة… في هذه البقعة من القطب الجنوبي لديهم أيضاً، على ما يبدو، نسخةٌ من رياض سلامة.
ولا ننسى هنا أنّ وزيرنا “المدلّل” اعتبر الثائرين “شلعوطين ونص” رغم قلبهم “طاولته” على رأسه ورأس مؤيّديه. لدى التشيليين كذلك مَن استخدم التعبير الاسباني الموازي مع انطلاقة انتفاضة سانتياغو تحديداً.
ونقف بحذرٍ عند هذا الحد لدى سردنا “التشابهات” فالرئيس التشيلي فرض الطوارئ. سقط عشرون قتيلاً وجُرح المئات واعتقل الآلاف وخطفوا للتعذيب في الثكنات. لكن الثورة كسرت منع التجول مجبرةً السلطة على إعادة كتابة الدستور. أما الوزراء والضباط المرتكبون فذاهبون الى المحاكمات.
لم تضع ثورة التشيليين أوزارها بعد، إلا أنّها تُنهي “التسوية” التي أفضت الى تنحّي المجرم بينوشيه سلمياً في 1990. ولا تهزم الثورة عهد سيباستيان بانييرا ولا حكوماته المنبثقة من البرلمانات فحسب، بل تدفن إلى الأبد عهد ونهج وروح آخر جنرال انقلابي استولى على قصر “لامونيدا” مُدخلاً تشيلي في ديكتاتوريةٍ ولَّدت منظومة الفساد.