منذ أيّامٍ خَلَتْ، شاهدنا كما شاهد الملايين من اللبنانيين، على شاشات التلفزة، عصابات ثائرة، تُحطّم وسط بيروت، وتحرق أرزاق الناس وجنى عمرهم.
وأيضاً تابعنا، كما تابع الجميع، كلمة الرئيس سعد الحريري، عقب الاعتداء السافر على العاصمة، والذي لمَّحَ فيه وبنحوٍ فاقع، إلى استعداد أهل بيروت لحماية عاصمتهم، في حال تلكّأت الدولة عن لعب دورها بهذا الخصوص.
كذلك، ومنذ ما يُقارب الأسبوع من الزمن، شاهدنا كما شاهد الملايين من المتابعين، وعلى شاشات التلفزة، إستعراضاً للقوة في محلّة «الضاحية الجنوبية» لعناصر أمنيّة تابعة لـ«حزب الله» وحركة «أمل»، تَجوب الشوارع، بِغَرَض فَرض الأمن الذاتي في مناطقها، فيما الحجّة، كانت ضبطها حَسَب زعْمِها.
إضافةً إلى ذلك، سَرَتْ شائعات عن انتشار وقائي لمُحازبي أحد الأحزاب المسيحية، على «خطوط التماس» بين المناطق المسيحية والمناطق الأخرى.
تَرافَق كل ذلك مع أزمة اقتصادية خانقة، واجتماعية، ومعيشيّة، لم يشهد لبنان لها مثيلاً.
صحيح أنّ الدستور اللبناني، تحديداً في الفقرة (ج) من مقدّمته، نَصّ على وجوب احترام الحرّيات العامة، وفي طليعتها حرّية الرأي والمُعتَقَد، كذلك المادة /13/ منه. لكنّ الدستور نَصّ صراحة على ضرورة حماية الملكية الفردية للأفراد، وجعلها في حِمى القانون (المادة /15/ من الدستور). وبالتالي، فإنّ حرية الرأي والمُعْتَقَد، حدودها احترام حرّية رأي الآخرين، وحماية حقوقهم وملكيّتهم الفردية والشخصية.
فما حصل في وسط بيروت مُدانْ، وبأبشَعْ الأوصاف، والتعبير عن الجوع لا يتماشى مع حرق أرزاق الناس وجَنى عمرهم. وكان من واجب السلطة العامة التدخّل الفوري لِلَجْم هذه الاعتداءات السافرة، وعدم ترك الأمور تتفاقم، حتى تتدخّل بعدها لإحصاء الأضرار، ووضع تقرير بها.
بالتالي، المسؤولية راهناً تقع على عاتق الأجهزة الأمنيّة والقضائية، في المُلاحقة والتوقيف والمُحاكمة.
مع الإشارة إلى أنّ ما تعرّضت له العاصمة غير مقبول، والتعرُّض لأرزاق الناس وحرقها غير جائز.
لكن ذلك كلّه لا يُبرّر ما تفضّل به الرئيس الحريري، لجهة جهوزية أهل بيروت لحماية عاصمتهم… كذا… كذلك الكلام عن الأمن الذاتي الذي خرج به أمس الأول الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله درءاً للفتنة.
فَلَوْ سلّمنا جَدَلاً أنّ الأجهزة الأمنية والقضائية قد قصّرت، لكن ذلك لا يُقابل بأمن ذاتي لبيروت، على أيدي أبنائها وشبابها، فالرّهان على الدولة دائماً وأبداً. وعند فقدان هذا الرّهان، على الدولة السلام.
واعتقدنا لِبُرهة أنّ الشارع المُقابِل سيستوعب خطاب الرئيس الحريري، كَوْنه قد صَرّح به أمام هَوْل تخريب لم تعرفه العاصمة، أقلّه منذ العام 1990.
لكن ما صعقنا، أنّ الشارع المُقابل وتحت حجّة ضبط الشارع، نفّذ انتشاراً أمنيّاً في مناطقه. كان الهدف الأساسي منه، إيصال رسالة إلى الشارع المُقابل، أنّ لكلّ محلّة شارعها وناسها.
علماً أنّ ما صرّح به الرئيس الحريري، كذلك ما تابعناه من مظاهر أمنيّة في الضاحية الجنوبية من بيروت، يؤكّدان أنّ الدولة قد تصدّعت وتفسّخت، إن لم نَقُل انّها قد تحلّلت.
وما زاد في الطين بِلّة، هو استسهال البعض التعرُّض لِمَقام الرئاسة الأولى، وبات المَوقع بِتناول الجميع.
علماً أنّ قانون العقوبات اللبناني، وفي المادة /384/ منه، عاقَب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين، كل مَن يقدم على تحقير رئيس الدولة.
علماً أنه يمكن للمرء أن يكون على خلاف مع سياسة رئيس الدولة، ولكن من المُعيب أن يتعرّض لِمقام الرئاسة الأولى ولموقعها.
مع الإشارة إلى أنّ هذا التجاوز يُشكّل إثباتاً إضافيّاً على تَحلّل الدولة واندثارها.
وللجميع نقول،
إنّ مصير الوطن مُعلّق على قرارٍ حكيم تتّخذه السلطة، فإمّا السكوت عن هذا التفسُّخ والخراب، وإمّا العودة العاجلة إلى الشعب لتحديد مصيره، عبر انتخابات نيابية مُبكرة.
فالبلاد قد باتت على شفير الانهيار الكامل، ولا بدّ من العودة إلى مصدر السلطات، أي الناخب اللبناني عملاً بأحكام الفقرة (د) من مقدمة الدستور التي تنصّ على أنّ الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
فالهروب إلى الأمام لن يُجدي، والتهرّب من الحقيقة لم يعُد مُثمِراً، ولا سبيل إلّا بالعودة إلى صوت الشعب، عبر انتخابات نيابية مُبكرة، ولو بالقانون الحالي. فالوقت يضيق، ولبنان في عمق الهاوية، فإمّا أن نُنقذه، وإمّا أن نخسره الى الأبد، عندها لن ينفع الندم.