IMLebanon

ثورة ومشروع امبراطوري: أية ثورة دائمة؟

 

طهران تحتفل بالذكرى التاسعة والثلاثين للثورة الاسلامية التي يراد لها أن تولد من جديد كل يوم. وهي ثورة أحدثت ولا تزال أكبر تحوّل جيوسياسي في الشرق الأوسط. اللافت هذا العام هو أن يتواضع أركان الحكم الإلهي معترفين بضرورة الاستماع الى الشعب. والباقي كالعادة. من عرض القوة وخصوصا الصواريخ الى المفاخرة بتوسّع النفوذ الايراني في المنطقة والسخرية من أميركا واستراتيجية كبح النفوذ الاقليمي لايران.

 

وليس جديدا أن تسمع طهران من عواصم عدّة السؤال الذي كرّر طرحه الدكتور هنري كيسينجر: على ايران أن تقرّر هل هي قضية أم دولة. ولا هي، تاريخيا، منفردة في رفع شعار الثورة الدائمة. فهذا ما دعا اليه تروتسكي في بدايات الثورة البلشفية عام ١٩١٧. وهذا ما حاوله ماوتسي تونغ حين أطلق الثورة الثقافية في محاولة لاعادة تثوير الثورة الصينية التي قادها الى الانتصار عام ١٩٤٩. لكن تروتسكي خسر رهانه وموقعه في السلطة ثم حياته، بعدما دفعت الواقعية لينين وستالين الى التسليم ب بناء الاشتراكية في بلد واحد. وماو أطلق قوى جامحة عملت على تدمير أو إذلال كادرات الحزب الشيوعي وتخريب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأعادت الصين سنوات الى الوراء قبل أن تنقذها واقعية دينغ هسياو بينغ.

أما ايران، فانها مصرّة على كونها دولة وقضية معا، وعلى ان الثورة الاسلامية ثورة دائمة تتجاوز البلاد. إذ مهمتها، حسب الدستور، هي استمرار الثورة داخل البلاد وخارجها والسعي الى بناء الأمة الواحدة في العالم. حتى القوات المسلحة من جيش وحرس ثوري، فانها تحمل قوة المهام الأمنية أعباء الرسالة الإلهية، وهي الجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم. وهذه مهمة مستحيلة، وان نجحت طهران بدهائها وتضحياتها وحماقة أعدائها وحركة العصبيات في المنطقة بمدّ نفوذها الى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وغزة.

ذلك ان الطموح بلا حدود يصطدم بثلاثة حواجز كبيرة: مصالح القوى الدولية الكبرى وحساباتها، تركيبة العالم الاسلامي الاجتماعية والمذهبية، والحاجات الانسانية للشعب الايراني. فليس هناك ثورة دائمة. قدر الثورة ان تبني دولة حق أو تتحوّل مجرّد سلطة استبدادية. ولا شيء اسمه ثورة دائمة لاستعادة مشروع امبراطوري على أيدي رجال دين. وما شهدته شوارع المدن الايرانية غير مرّة من تظاهرات شعبية للمطالبة بفرص العمل وتحسين الوضع المعيشي وتخفيف القيود على الحريات الاجتماعية قبل شعار يسقط الديكتاتور، يؤكد صعوبة الهرب من معادلة واقعية: واجبات الدولة تتقدّم على شعارات الثورة والطموحات.