لعلّ أبرز نتائج ثورة 17 تشرين أن اللبنانيين كسروا أصنام السياسة اللبنانية بعدما تيقّنوا بأن هذه الأصنام تسببت بالانهيار الكامل الذي وصلوا إليه.
شعار “كلّن يعني كلّن” لم يكن يعني بالضرورة التعميم بالمطلق، بقدر ما كان يعني أن لا “آلهة” في السياسة بعد اليوم وأن جميع السياسيين باتوا موضع شبهة وعرضة للمحاسبة والمساءلة من دون استثناء، سواء رؤساء أم وزراء ونواب وصولاً إلى رؤساء الأحزاب، وحتى الأمين العام لـ”حزب الله” بات “واحداً منهم”!
الثابت بعد الثورة أن نظرية “حكم الأقوياء” سقطت إلى غير رجعة بالممارسة وبالوقائع وبالضربة القاضية أيضاً. فوجود 3 رؤساء في الرئاسات الثلاث، كل منهم هو الأقوى في طائفته، لم يشفع في إنقاذ لبنان من الوقوع في المحظور، أي الانهيار الشامل.
وجود “الرئيس القوي” في طائفته على رأس الجمهورية وبيده أكبر كتلة وزارية مؤلفة من الثلث المعطل أي 11 وزيراً، وأكبر كتلة نيابية مؤلفة من 29 نائباً، إضافة إلى حصة الأسد مسيحياً من التعيينات القضائية والإدارية والديبلوماسية، كل ذلك لم يمنع سقوط “حكومة العهد الأولى”، كما كان يصفها رئيس الجمهورية، في الشارع.
ووجود رئيس مجلس نواب قوي يمثل الثنائي الشيعي خير تمثيل ويحتل منصبه منذ أكثر من 27 عاماً، لم يمنع تعطيل العمل الرقابي للمجلس الذي لم يُسقط أي حكومة بحجب الثقة عنها، ما دفع الشارع إلى حجب الثقة عن الحكومة الأولى التي اعتبرها “حزب الله” حكومته بامتياز، والتي هدّد السيد حسن نصرالله بمحاسبة كل من يستقيل منها لأنه يكون يتهرّب من مسؤولياته!
كما أن وجود رئيس الحكومة الأقوى على الساحة السنية لم يمنع تلمّس الشارع السني أن صلاحيات موقع رئاسة الحكومة مصادرة، وبأن رئيس الحكومة صاحب العلاقات العربية والدولية المميزة غير قادر على أن يتخذ أي إجراءات تقنع المجتمعين العربي والدولي بمساعدة لبنان، لأن لا أحد من شركائه في الحكم يتعاون معه على حد تعبيره، ما اضطره إلى الاستجابة لطلب الشارع بتقديم استقالة حكومته على قاعدة تقديم “إنجاز” إلى اللبنانيين الثائرين!
حتى الأحزاب التي شاركت في الثورة اضطرت للتراجع إلى الصفوف الخلفية فيها تجنّباً لنقمة الشارع التي تخطت كل الاعتبارات. وحده الجيش اللبناني بقيادة العماد جوزاف عون تمكن من تشكيل ضمانة للبنانيين من خلال إصراره على احترام حرية التعبير والتظاهر ورفض وضع الجيش في مواجهة الشعب رغم كل الضغوط، فأمّن حماية المتظاهرين ومع استقالة الحكومة تمكّن من فتح الطرقات بالمفاوضات.
وفي حين أطلّ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي ليعطينا دروساً في “الأطر والهيكليات القانونية لتحقيق المطالب” وحول ضرورة “معالجة الشغب وانعدام الأمن الذي تسببه أميركا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية بأموال بعض الدول الرجعية”، أسقط اللبنانيون أيضاً منطق تأليه السلاح وأثبتوا أن الضمانة الوحيدة للبنان تكمن في معادلة الجيش والشعب الوحيدة القادرة على بناء دولة قوية وديموقراطية وشفافة، بعدما تبيّن أن ما يُسمى “مقاومة” ليس أكثر من قوات “باسدران” تستعمل في الداخل اللبناني لمحاولة قمع الثورة اللبنانية على مثال قمع “الثورة الخضراء” في إيران!