IMLebanon

« ١٧ تشرين» أكبر قوة شعبية وأقوى كتلة برلمانية

 

١٧ تشرين ثورة، يوم دعتها الناس كذلك، وكنت واحدا من هؤلاء، واجهتنا اعتراضات كثيرة، تقول انها انتفاضة أو هَبّة، او ردة فعل عفوية على أزمة نقدية واقتصادية، كانت الاعتراضات تنطلق من فقدان حركة الناس، عناصر اساسية تعودنا عليها في تاريخ الثورات، فلا وجود في هذه الثورة لحزب يقودها، ولم يتأسس في مسيرتها عقيدة توجهها وترشدها، ولا صدرت خلال فعالياتها، او قبل اندلاعها جريدة او دورية، تلتزم خطها وتشرح منطلقاتها وبرامجها، فكيف تكون ثورة، اذا لم تتوحد هيكلياتها وأُطر تنظيماتها، او على الاقل تتوفر لها، قيادة تنسق تحركاتها وتعلن أجندتها ومطالبها، كما تقدم حلولا وبدائل لخيارات المنظومة ولإدائها.

 

كانت هذه الانتقادات توجه من قبل جهات متعددة ولأسباب متناقضة، ومن خلفيات متضاربة، كان فيها من يحرص على استمرار الثورة وتطوير مسيرتها وإدائها، لذلك كان يطالبها بالسعي لاستيفاء واستكمال الشروط المفترض توفرها، حسب تجارب الشعوب الماضية ودروسها، وكان من بين المنتقدين من ينطلق من موقف العداء للناس ومن الدفاع عن المنظومة والارتباط بها لتجديد سيطرتها، ونشر اليأس والاحباط في صفوف الثوار والناشطين، واقناعهم ان لا فائدة من نضالاتهم وأن لبنان محكوم بمصير ابدي سرمدي بصيغته وانقساماته واعادة انتاج بنيته السياسية المتخلفة والقرون وسطية.

بلغت وقاحة هؤلاء ان يسألوا بشماتة وسخرية اين اصبحت الثورة، هل نلتم جوابا…!؟؟

في صفوف الناشطين ومجموعات الثورة كان هناك اتجاهان في مواجهة الانتخابات؛ اتجاه يعتقد ان الاولوية راهنا، هي لبناء تنظيمات سياسية واحزاب جديدة، تكون اداة صلبة وخبيرة ومستدامة، لخوض الصراع مع المنظومة وترحيلها، وكان هذا الاتجاه يركز جهده في بناء هيئات تنظيمية واطر لتجميع الناشطين، أجندة هؤلاء كانت تركز على النقاء الثوري، والنقاش الفكري ومحاولة ترسيخ قناعات حديثة وطروحات سياسية، لاستقطاب نخب شبابية ونسائية وكادرات ذات خبرات حديثة، وكانت دائرة نشاط هذا الاتجاه هو داخل الحراك، لا خارجه، كان شعار «كلهن يعني كلهن» يدخل الاطمئنان الى قلوب قيادات هذا الاتجاه، بأنهم قد اقاموا سورا حول الانتفاضة، وجعلوا ناشطيها وجمهورها في دائرة الاستماع الى طروحاتهم وبرامجهم، وأن الامر يستوي بالتزاحم والتنافس على استقطاب من اصبحوا داخل الدائرة، ولذلك فان الفوز سيتحقق للمجموعة او الحزب او الجهة التي تصيغ افضل برنامج، تلقي افضل خطاب، وتجرد انشط حملة اعلامية او سياسية، وقد عبر عن هذا الاتجاه باعلى تجلياته كلا من، حزب الكتلة الوطنية، ومواطنون ومواطنات في دولة ( ممفد) وبيروت مدينتي ( صحناوي، عمار، الخليل) ثم لحقي واتجاه واصف الحركة داخل المرصد الشعبي لمكافحة الفساد. وكانت الانتخابات النيابية تشكل لهذا الاتجاه مهمة ثانوية، في طريق طويل اولويته بناء التنظيم السياسي و صياغة طروحاته الفكرية وبرامجه السياسية، ونتيجة لذلك علا صوت الاشتباك داخل الحراك مترافقا مع ضجيج الاشتباك مع المنظومة.

أما الاتجاه الاخر فقد كان يعتبر ان خوض الصراع لتعديل موازين القوى وهزيمة المنظومة واضعافها بأسرع واقصر مهلة ممكنة، هو اولوية مطلقة، يتطلب انجازها، خلق ائتلاف سياسي واسع، على مهمات قصيرة الامد، تحقق خطوات عملية ملموسة وتنجز تعديلا في التوازن السياسي على مستوى التمثيل النيابي و طبيعة الحكومات العتيدة وبقية الاستحقاقات الديموقراطية في البلديات والحكومة ورئاسة الجمهورية وهيكليات الدولة، كانت اجندة هذا الاتجاه مزيج من مهمات التغيير مع مبادرات الانقاذ، ولذلك اظهر هذا الاتجاه حرصا على اجراء الانتخابات، وسعيا الى وحدة الثورة ولوائحها، وابدى مرونة سياسية تجاه نقاط الاختلاف حول المواقف من ملفات عديدة، باتجاه تدوير الزوايا وتجميع المواقف.

لكن الثورة لا تنتهي بالناشطين، ولا تختصر بما يفعلون فقط، الناشطون والقوى المنظمة لهم اهمية كبرى ورئيسة في اي ثورة او انتفاضة سياسية تغييرية، لكن الثورة يصنعها الناس، ويرفدها الناس، وتنتصر بهم اولا وأخيرا.

ثورة الناس كانت بوعي جديد وقيم جديدة، سادت الفضاء العام واحتلت حوار المنتديات ووسائل التواصل والسياسة فترسخت لدى الناس ثقافة : الانحياز الى قيام دولة مدنية، والاتجاه الى نبذ الطائفية والخروج من عباءة الزعيم كل زعيم، وعدم اللجوء للعنف لا لغة ولا تخاطبا ولا في ساحات المواجهة، وادانة الفساد كجريمة واستتباب مبدأ المساءلة والمحاسبة عبر قيام سلطة قضائية مستقلة، والدعوة لسيادة القانون والدستور والحرص على تطبيقهم، كما افرزت الثورة مشهدا شاملا لتعدد ساحات الحراك، بحيث ارتسمت قضية عابرة للمناطق والدوائر والطوائف، يقود فعالياتها اجيال شابة من النساء والرجال في كل لبنان.

كانت الانتخابات مرآة لهذه الحقائق جميعا، واختبارا لأداء كل من شارك بالثورة وانخرط بأعمالها، واتت نتائجها المدوية كحكم مبرم قرره الشعب، لفرز الخيارات الصائبة الثورية، من الخيارات العدمية او السلوكيات المنتفخة، وقام الناس بتحديد اية جهة هي الاصوب واي خيار هو الاصح، وبجردة للاصوات التفضيلية التي نالتها قوى ١٧ تشرين المختلفة، مجموعات الحراك الشعبي اضافة لمجموعة الاحزاب والنواب الذين إما انحازوا للثورة عبر استقالتهم من مجلس النواب ( نواب الكتائب، معوض، فرام، ؤيعقوبيان،) بعد تفجير المرفأ، واما عبر خروجهم من كتل المنظومة والتحاقهم بفعاليات الثورة وتبني مطالبها( اسامة سعد، مخزومي، ميشال ضاهر) والجردة هذه تبين الارقام التالية: ان مجموعات الثورة الحراكية قد حصدت٣٣٠ الف صوت واذا ما اضفنا اليها اصوات النواب الذين استقالوا وتم تجديد انتخابهم ( ٩٣ الف صوت) فان رقم مختلف قوى ١٧ تشرين يصبح = / ٤٢٣٨٠٠ صوت / وهو رقم يجعل من ثورة ١٧ تشرين القوة السياسية الاولى على مستوى القاعدة الشعبية، والكتلة الاكبر في البرلمان اللبناني والتي يمكن ان تتالف من ٢٦ نائب.

كان يمكن لهذه الكتلة المدنية ان تبلغ ٣٨ نائبا لو لم يتم تضييع ١٤١ الف صوت صبت للوائح الحراك المدني التي لم تنجح في بلوغ حواصل انتخابية تؤهلها انتزاع مقاعد نيابية، في مختلف الدوائر، وهي خسارة يجب تحميل مسؤوليتها لكل القوى التي تنكرت للالتزام بمعيار وحدة المعارضة والخضوع لمستلزماتها، وتلبست رداء النقاء الثوري في رقصة ادتها خدمة للمنظومة الفاسدة. وحدها مجموعة لحقي مارست النقاء الثوري، وأصرت على رفض منطق المحاصصات بين المجموعات، وعندما لم تتحقق مطالبها، سحبت مرشحيها في كل الدوائر وانخرطت بكل امكانياتها وفعاليتها، في دعم قوى الثورة ولوائحها دون ان يكون لها مرشحين فيها، وبكل صدق وموضوعية مارست لحقي نقاء ثوري بناء وسلوك سياسي يستحق الاحترام.

*اما اصوات حزب الله التفضيلية فقد سجلت انها ٣٤٧ الف صوت، مع ما يشوب هذا الرقم من شكوك حول صدقيته ودقته، اما حركة امل فقد سجل لها ١٧٦ الف صوت، تليها القوات اللبنانية ١٧١ الف ثم التيار العوني ١١٧ الف، ويهبط هذا الرقم الى ٨٠ الف اذا وضعنا جانبا هدايا حزب الله وبقية اطراف ٨ آذار للتيار العوني.

قام الناس بما عليهم وانتصروا للثورة، ولذلك فاننا ونواب الثورة، امام بدايات جديدة ومهمات جديدة وتحديات جديدة، ستكون موضوع مقالتنا القادمة، والاستجابة لهذه البدايات والمهمات والتحديات هي المعيار في تقرير نجاح الثورة، او فشلها، في هزيمة المنظومة او اعادة تجديد سطوتها، في الدفاع عن مستقبل الناس واضاءة الطريق لاكمال مستقبلهم، او في خذلانهم ودفعهم في هاوية الازمة. فهل نذهب الى بناء معارضة سياسية برلمانية وشعبية تستجيب لاصوات الشعب، وتقدم بديلا حقيقيا لسلطة متهاوية!؟