IMLebanon

الثورة في أربعينيتها.. بين الإنجازات والتحدّيات والتطلّعات

 

أبرزها بقاء شعار «كلّن» والتنبُّه من تكرار سيناريو 7 أيار والتمسُّك بحكومة اختصاصيِّين وانتخابات مبكرة

 

 

لا يكلّ نشطاء ومواطنون من تعداد ما يعتبرونه إنجازات حققتها ثورة ١٧ تشرين التي لم يمض عليها سوى ستة أسابيع فقط. يرى هؤلاء في استمرار دينامية صرختهم وملامستها لوجع الناس وغضبهم في آن بقعة ضوء وفسحة أمل، وآخرها مشهد الاحتفال الشعبي المدني بالاستقلال.

 

في المقابل، لا جديد عند السلطة سوى المزيد من تلبّس حالة الإنكار والانفصال والمكابرة والتعنّت وتخطي الدستور وعدم الاعتراف بالتحولات الكبرى التي طرأت على لبنان منذ واحد وأربعين يوماً. أصلاً لم يراهن أحد على قدرة الطبقة الحاكمة على اجتراح حلول، فسلطةٌ عجزت منذ أكثر من خمس سنوات عن إيجاد حلّ ملائم لأزمة النفايات أَعجزُ من أن تمتلك رؤى لما هو أكبر وأعقد. وهي الآن تتخذ موقف المتفرج إزاء ما يجري من دون أن تقدّم أيّ مبادرة لمعالجة الأزمة الآخذة بالتوسع على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي، ولم تسع لتحقيق أيّ خرق إزاء مخاوف الناس وقلقهم مما يواجهونه على المستوى المعيشي والحياتي.. السلطةُ لم تفعل على مدى أكثر من شهرين، ولن تفعل، تاركة منسوب التشاؤم يكبر وكرة نار الأزمة تهدد كلّ شيء. كلّ شيء. باستثناء التلويح باستخدام العنف لإسكات الناس، وهو حديث بدأ منذ أيام يأخذ حيزاً من التصريحات السياسية التي تدّعي ممارسة ضبط النفس تجاه الاحتجاجات الشعبية، بل وتلوم قيادة الجيش على عدم الانزلاق نحو اعتماد العنف!! ثم انفجرت أعمال عنف ليل الأحد على «جسر الرينغ» أمام أعين الجيش والقوى الأمنية.

 

في كل ما تقدم، ألفُ سببٍ وسبب لاستمرار الثورة ولتمسك الشعب بمطلب «كلن يعني كلن». لأنه ثبت بالوجه الراجح فسادُ الطبقة السياسية، وسوء استخدامها للنفوذ بما أورث دولة مفلسة، وعدم احترامها للدستور أيضاً. اللجوء إلى بعض التصريحات العاطفية والتذاكي (والوقوع بغرام الطائف فجأة ومن دون مقدمات) لن ينفع. من الصعب القول أن مواطناً واحداً ينتظر حلولاً من هذه الطبقة.

 

إنجازات ومكاسب

 

في جردة سريعة، لكنها ضرورية، مع دخول الثورة يومها الحادي والأربعين، يتكشف أن صرخة الشعب حققت، بحسب ناشطين فيها، الآتي:

 

قرارات إصلاحية من حكومة الحريري تمّ إقرارها تحت ضغط الشارع، ومن أهمها إسقاط ضرائب جائرة، تحضير موازنة 2020 بعجز بسيط جداً، إسقاط حكومة الحريري، إقفال مجلس النواب وإحباط جلستين تشريعيتين ومعهما إسقاط قوانين شعبوية، اسقاط اسم مرشح لترؤس الحكومة من خارج الآليات الدستورية وبشكل مستفزّ للناس، إجبار الدولة على إصدار فواتير الهاتف الخلوي والبطاقات مسبقة الدفع بالعملة الوطنية (أسوة بدول العالم كله)، إيصال نقيب للمحامين من رحم الانتفاضة (ملحم خلف) خلافاً لإرادة السلطة، اعادة مرج بسري لملك عام كمحمية طبيعية، اسقاط التسوية الرئاسية والتنبيه بأن هناك دستوراً واجب الاحترام، اسقاط الحواجز المذهبية والطائفية، وتخطي مخلفات الحرب الأهلية، وإعادة الثقة للمواطن وحسّ الانتماء الوطني والأمل بالمستقبل… والباب مفتوح على مزيد من مراكمة المكاسب بعد دخول إرادة الشعب كعنصر وشرط مؤثر وفاعل وضروري في كل أمر وطني.

 

التحديات والمخاطر

 

بالتوازي، قد تبدو التسريبات عن تكرار سيناريو 7 أيار تحدياً  جدياً كبيراً، وإن كان أي تفكير بأمر مشابه يعني انتحاراً حقيقياً، ليس لما بقي من العهد فقط، بل لأي طرف يجازف برمي لبنان في أتون لا يعرف أحد أين ينتهي. هنا لا بدّ من استحضار موقف قائد الجيش العماد جوزاف عون، الوطني والمسؤول والمطمئن، حول حماية حق التظاهر والاعتراض، واعتبار السلم الأهلي خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه، لكن مع ذلك لا يعرف أحد أين تذهب الأمور، إذ سبق أن تدخل السلاح لتغيير معادلات سياسية في الداخل، والتسريبات التي تنتشر بين حين وآخر ليست بريئة أبداً، خصوصاً في ظل استمرار احتجاز الاستشارات النيابية الملزمة بشكل كيدي وعبثي، أساء للدستور، وخذل الشعب، وضخّم الأزمة.

 

لقد تجاوزت الثورة عوائق ميدانية كثيرة، وهجمات إعلامية مضادة، واتهامات الارتهان للخارج، لكن تأملاً دقيقاً لمواقف أطراف السلطة الممسكة بالقرار راهناً، يَشي باستمرار تجاوز الدستور وعدم الجدية بمواجهة المخاطر الاقتصادية والمالية الضاغطة، والإمعان بالاستخفاف بمطالب الناس، لإنهاكهم تمهيداً للانقضاض على كل ما تمّ انجازه، لكن ذلك لا يعفي المؤمنين بالتغيير من السعي الجاد لـ: مواصلة انتاج صيغ وأنماط وأفكار وديناميات ابداعية وجديدة للاحتجاج وإبقاء شعلة الثورة حيّة عند جمهورها، وتعرية فساد السلطة، وإرباكها وفضحها والضغط عليها. جذب تأييد المجتمعين العربي والدولي وتشكيل شبكة أمان من أصدقاء لبنان لتمرير المرحلة الصعبة، رفع مستوى التنسيق بين المجموعات العاملة على الأرض، صوغ برنامج مرحلي متكامل وواقعي يكون بمثابة خارطة طريق التغيير، لا الاكتفاء بطرح شعارات عامة، وتجنب التشويش وغياب الفاعلية وتشتت الجهود.

 

المطالب والتطلعات

 

تتقاطع مواقف غالبية مكونات الانتفاضة على ترتيب أولويات المرحلة المقبلة، مع مراعاة عوامل عدة في الترتيب وتحديد مرحلة التنفيذ، على الشكل التالي:

 

أولاً: إن استقالة الحكومة مهمة لكنها لا تكفي، كون المطالب الأخرى ليست أقل أهمية، فإسقاط الشرعية الشعبية لا تمسّ الحكومة ورئيسها فحسب، بل العهد كاملاً ومعه المجلس النيابي والطبقة الحاكمة، وبالتالي التمسك بتحقيق جميع المطالب السياسية التي رفعتها الثورة.

 

ثانياً: تشكيل حكومة انقاذ مصغرة من اختصاصيين مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، تنكب فوراً على حصر تداعيات الأزمة الراهنة، واستنفار المجتمعين العربي والدولي للمساعدة في منع الانزلاق نحو الانهيار، السياسي أو الاقتصادي أو المالي، وتطرح برنامجاً إصلاحياً اقتصادياً وإدارياً وحياتياً وتعمل على تنفيذه.

 

ثالثاً: إجراء انتخابات نيابية مبكرة بقانون انتخابي عصري، وفتح ملفات الفساد لاستعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين، مع ضمان استقلالية القضاء في هذه الخطوة.

 

الصهر أم الجمهورية!

 

في معرض تعليقه على مواقف أركان في السلطة، وخصوصاً كيلهم المزيد من الوعود أو العنتريات، وما نقل عن تمسك رئيس الجمهورية  بالوزير جبران باسيل في أي حكومة، يقول ناشط فاعل ومؤثر في الثورة: لا يدرك هؤلاء أن الزمن تغير. الشعب يريد أجوبة لا إنشائيات كلامية، يريد قرارات سريعة لا إجراءات تجميلية، يريد حلولاً لا وعود، محاسبة لا كيديات، إصلاحاً لا احتيالاً، سياسات لا سمسرات، عدالة لا محاصصات، شفافية لا فساداً، سيادة لا وصاية..

 

باختصار، الشعب يريد دولة لا مزرعة أو شبه دولة، ويريد فوق ذلك، احتراماً للدستور والطائف والميثاق الوطني، لا تذاكي ومكابرة وعنتريات. ويريد مستقبلاً لا عودة لما قبل 17 تشرين.

 

نحن بحاجة لورشة وطنية لإستعادة معنى الدستور والميثاق والقانون والمواطنة والحريات والتنوع ودور المرأة ومكافحة الفاسد بشكل حقيقي لا شعارات فارغة. ثمة كثيرين، كثيرين جداً، لا يزالون يحلمون بوطن لهم ولأبنائهم لا تخنقه سموم التلوث، السياسي والبيئي، ولا يتحدد على قياس مصالح طبقة أو حزب أو مجموعة.

 

يوما ما قال الرئيس ميشال عون، رئيس التكتل النيابي حينها، بأن لا حكومة من دون جبران، واليوم لسان حاله يردد لا جمهورية، ولا دولة، ولا استقرار، ولا اقتصاد.. بلا جبران.. الخيار هو بين الصهر والجمهورية، وهذا لا يحتاج كبير عناء للإجابة عنه، عند الرئيس من جهة، وعند غالبية الشعب من جهة ثانية! ولله الأمر من قبل ومن بعد.