Site icon IMLebanon

«ثورة» الكتائب «تنجز» 30 ألف طن من النفايات!

طواحين هواء حزب الكتائب لا تُعَدّ ولا تُحصى، من النوم على درج مجلس النواب حتى إقرار قانون انتخابات، إلى عدم دخول الحكومة إذا ما تضمن البيان الوزاري بنداً يشرّع عمل المقاومة، إلى التظاهر ضد الحكومة التي يشارك فيها، وصولاً إلى الموافقة على خطة الوزير أكرم شهيب الخاصة بالنفايات، ثم الاعتصام لتعطيلها، فالتصديق مجدداً عليها. يصعب اليوم على الكتائبيين أنفسهم تفسير ما حصل أخيراً، فيسارعون إلى محاولة «تغدّي» سائلهم عبر نصحه بالقراءة أكثر عن حزب الله والوطن والعائلة والنهل من ينبوع تاريخه وتاريخ رؤسائه. أما مكسب الكتائب من تعليق خطة النفايات لما يقارب الشهر ثم الإفراج عنها، فتلخصه مصادر بكفيا بجملة: وضعنا قطار اللامركزية على السكة الصحيحة وألزمنا كل الأحزاب السياسية بها بعد 18 شهراً. لكن ما الضمانات بذلك؟ «نحن الضمانة». هكذا أنهى الجميّل اعتصامه مقابل «ضمانة» ملحوظة أصلاً في خطة شهيب. ثمة خمس نقاط توجز ما حصل خلال الشهر المنصرم:

1 ــــ السبب الرئيسي لإنهاء الكتائب اعتصامهم ليس إلا الاصطدام بحائط مسدود، إذ نفدت حججهم بالبقاء في برج حمود، ولا سيما أن لا حلّ بديلاً لديهم.

أما السبب غير المعلن الذي عجّل في انسحاب الشيخ سامي، بحسب مصادر مطلعة، فهو تهديد القوات اللبنانية بتحركها والتيار الوطني الحر خلال 48 ساعة إذا أصرّ رئيس حزب الكتائب على تعطيل عمل المتعهد، وذلك بناءً على اقتناع القوات والتيار بأن لا بديل من برج حمود، وبأن «معارضة سامي عبثية».

2 ــــ لا مكسب جدّياً من إعادة تأكيد اللامركزية، ففعلياً لا الحكومة ولا وزير الزراعة ولا وزير البيئة ولا وزير الداخلية يحولون دون تطبيقها. والدليل الأكبر هنا أن بلدة الجميّل، بكفيا، بادرت إلى إنشاء معمل فرز للنفايات خاص بها وطبقت اللامركزية «من دون ضربة كف». مثلها فعلت بلدة بيت مري. وهو ما يؤكد أن الخلل الرئيسي ليس إلا في رؤساء البلديات الذين اختاروا قبض الأموال مقابل استقبال المكب في قضائهم عوضاً عن تطوير بلداتهم صحياً وبيئياً. إذ يمكن أي رئيس بلدية أن يقبض عائدات بلديته اليوم إذا ما «أشّر» بإصبعه على الخريطة ليحدد مكان إنشاء معمل الفرز. والجميّل في هذا الاعتصام، لعب بأحجار لا سلطة له عليها، فبدأ معركة اللامركزية برؤساء بلدية لا يمكنه التأثير فيهم، كرئيس بلدية الجديدة ــ البوشرية ــ السدّ أنطوان جبارة الذي جاهر بتأييده لحلول الدولة أو رئيس بلدية برج حمود الطاشناقي. والخلاصة: لم يحرك سامي الملف باتجاه معاكس لما قررته الحكومة، وما عجز عن فرضه اليوم لن يمكنه فرضه بعد مضي 18 شهراً على سير الخطة والطمر حيث جرت العادة أن يصبح المؤقت دائماً. فالمنتصر الأول والأكبر هو مشروع الحكومة وتكريسه من قبل الجميّل لا العكس.

3 ــ خرج الجميّل من المعركة بثلاث خسارات: خسارته الأرمن، ففعلياً لن يتوانى الطاشناق في جعل بكفيا تلحس المبرد ببطء، ولا سيما أنه يرفض حتى الساعة استقبال النفايات في برج حمود بعد أن أصبحت غير قابلة للفرز. خسارته جزءاً من المجتمع المدني الذي كان يؤيده، ولو بالسر. وخسارته عند الكثير من المواطنين الذين صدّقهم بعضه، ويحمّلونه اليوم مسؤولية 30 ألف طن من النفايات موزعة على مداخل بلدات المتن الشمالي، وباتت بيئة حاضنة لكل أنواع الأمراض والبعوض. في ما عدا مسؤولية اختناقهم وأولادهم بدخان محارق النفايات كل مساء.

4 ــ اعتراض الكتائب على طمر العوادم في برج حمود، فيما يؤكد أكثر من ناشط بيئي أن مصطلح «طمر العوادم» غير موجود. فالواقع أن النفايات التي تطمر مفروزة، إنما المشكلة تكمن في عدم معالجتها. وما على النائب سامي الجميّل سوى سؤال شقيقته، رئيسة بلدية بكفيا، عمّا تفعله بما يبقى من نفايات بكفيا غير القابلة للفرز. إذ يقول الناشطون إن الكمية الباقية لا حلّ لها إلا بالطمر، وهو ما دفع نيكول الجميّل إلأى حرقها في البداية ثم إرسالها إلى مطمر جبيل (لاحقاً إلى مطمر برج حمود؟)، وذلك يضرب شعار الكتائب: لا للطمر، لا للحرق.

5 ــ يشير الناشطون البيئيون الذين واكبوا ما جرى أن سامي كان ميالاً إلى تسوية تُبقي على برج حمود وتستثني منطقة الجديدة من منطلق «ببرج حمود أصلاً في جبل». وهو ما أثار غضب حزب الطاشناق الذي وجد أن نائب بكفيا على تقاطع واضح مع مطالب أصحاب شركات النفط في الجديدة، وربما للاثنين مصالح مشتركة. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن توقيت الاعتراض، أي عند بدء المتعهد أشغاله في برج حمود يثير الشكوك، خصوصاً أن الكتائب صدّق ضمنياً على خطة الحكومة وانتظر نحو ستة أشهر بعد إقرارها لمعارضتها. وثمة من يضع كل ما سبق في خانة الدوافع السياسية، إذ لم يتحمل الجميّل انطفاء «رهجة» خروجه من الحكومة، فقرر تسلق المسرح من جديد وإيصال رسالته إلى المعنيين: «خروجنا من الحكومة لن يكون نزهة». لكن الوقائع أثبتت فعلاً أنها نزهة، لكن من نظّموها خلّفوا وراءهم في شوارع المتن وكسروان نحو 30 ألف طن من النفايات التي لم تجد بعد مكاناً يستقبلها.