خمسة أشهر مرت على بدء الهبّة الفلسطينية في مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية من غير ان تنجح إسرائيل بكل أجهزتها الاستخبارية الفائقة التطوّر وآلتها العسكرية والقمعية في وضع حد لها. صحيح أنه خلال الفترة الماضية لم تتحول هذه الهبّة الى انتفاضة شعبية عارمة، لكنها نجحت في أن تفرض على الإسرائيليين العيش تحت وقع الهجمات التي قد تأتي في أي وقت وأي مكان. وصحيح أيضاَ أن خسائر الجانب الفلسطيني خلال الاشهر الأخيرة اضعاف اضعاف الخسائر الإسرائيلية، لكن هذا لا يخفي الاخفاق الإسرائيلي المدوي في وضع حد لهذه الظاهرة الفلسطينية التي بدأت تقضّ بصورة حقيقية مضاجع المدنيين الإسرائيليين.
بعد خمسة أشهر لا تزال إسرائيل تبحث عن جهة تحملها مسؤولية تفاقم العنف في شوارع القدس والضفة الغربية ويافا. فتتهم السلطة الفلسطينية بأنها هي وراء تحريض الشباب الفلسطيني على العنف من خلال إذاعاتها ومحطاتها التلفزيونية، ومن خلال احتضان عائلات المهاجمين الفلسطينيين. كما تتهم حركة “حماس” بأنها تزرع روح التعصب الديني وتحرض الجيل الشاب دينياً عليها. لكن الحقيقة في مكان آخر تماماً، فلا السلطة ولا “حماس” هما من يحرّك هؤلاء الشباب بل وفقاً لأكثر من محلل إسرائيلي المحرك الأساسي لهم هو وسائل التواصل الاجتماعي التي تضطلع في الوقت الحاضر بالدور الأكبر في تشجيع الشباب الفلسطيني على العمليات ضد إسرائيل، واليأس والاحباط لدى الجيل الشاب نتيجة الضائقة الاجتماعية والاقتصادية.
العدو الجديد لإسرائيل هو “الفايسبوك” و”تويتر” و”اليوتيوب”، ولا يمكن القضاء على هذا العدو عسكرياً لا بالقصف الجوي ولا بعمليات الاغتيال، وكلما أقفلت صفحة أو حساب، تفتح صفحات وحسابات أخرى. وهو الفقر الفلسطيني وانسداد الأفق وانعدام الأمل لدى الشباب في حياة أفضل.
لا تشكل انتفاضة السكاكين خطراً وجودياً على إسرائيل، لكنها تشكل خطورة من نوع آخر هي العيش في ظل التهديد بالتعرض لطعن أو دهس أو اطلاق نار كما حصل قبل يومين خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ليافا.
هناك داخل إسرائيل انقسام بين القيادتين السياسية والعسكرية. ففي حين يشدد القادة العسكريون على عدم وجود حل عسكري ناجع لوقف العمليات الفلسطينية، وان الحل المطلوب يجب ان يكون سياسياً واقتصادياً في آن واحد، تتجاهل القيادة السياسية الواقع الفلسطيني المأزوم وتحمل السلطة و”حماس” المسؤولية عما يجري.
سياسة النعامة التي يتبعها نتنياهو لن تجديه نفعاً ولا يمكن ان تستمر وقتاً طويلاً، والفلسطينيون والفلسطينيات من جيل “الفايسبوك” الجديد هم الذين سيسجلون أول انتصار حقيقي على إسرائيل.