Site icon IMLebanon

الثورة أو الهجرة أو الإنتحار

بلا مقدّمات… وكفى ثرثرة أمام رَهْبة المأساة وجدِّية التاريخ… عندما لا يبقى أمام اللبنانيين إلا أحد خيارين: إمَّا الثورة وإمَّا الهجرة، وليس من ثالث لهما إلّا الإنتحار البطيء، فأنا بكل مسؤولية أدعو الى الثورة، ولا أخشى ما يترتب على هذه الدعوة من تَبِعات، لأن الذين يفترض بهم أن يحاسبوني، كان من المفروض أن يكونوا هم في السجون.

ماذا بقي من لبنان، في لبنان؟ ماذ بقي فيه وله ومعه وعنده، وماذا بقي منه لكم أنتم: يا أهل لبنان أولاً، يا شعب لبنان العظيم، يا ثورة الأرز، ويا أشرف الناس وأكرم الناس؟

إِن فداحة المأساة تستدعي ثورة حمراء تقتلع الرؤوس والعروش، وأنا لا أزال أتمسّك ساذجاً بالديمقراطية، فأدعو الى ثورة يحمل كل مواطن فيها قلماً من الحبر، ورغيفاً من الخبز، وفراشاً من القش.

الثورة التي أدعو إليها، ليست ثورة الربيع العربي التي اغتصبتها الجماهير العربية بوحشية فشوَّهت عذريتها بحمّى إنفعالية عطّلَتْ كل حواسها الحيّة.

وليست تلك الثورة التي تقودها فلولٌ من أبناء حواء وقد نبتَتْ لهم قرون وبراثن وأنياب.

الثورة ليست بديلاً من الجنون، بل هي تأكيد للوجود المتلازم مع كرامة الحياة والتطور نحو الأفضل… هكذا وضع الأديب الفرنسي ألبير كامو نظرية للثورة… «أنا أثور، إذاً أنا موجود».

العالم الذي حولنا سحقته أقدام الثورة لأنه شاء أن يواجهها بأقدامه لا بعقله. ونحن سحقتنا أقدام التخلّف لأن الذين نصّبوا أنفسهم حكاماً علينا، حكمونا من دون عقل.

كان من المتوخّى أن تنطلق عندنا ثورة من فوق، حتى لا تنتفض الثورة من تحت الأنقاض، ومن تحت الرماد، ومن فوق النفايات، على السلطة التي فوق.

واليوم، أصبحت الثورة حاجة ملحّة ضد كل المرجعيات التي تعرَّتْ من أثوابها المطرّزة فتمزَّقت الأثواب على الأجسام المنتفخة بفعل الورم، وأصبحت الثورة حتمية ضد كل طائفة وطائفي، وكل حزب وحزبي، وكل حكومة وحكومي، وكل مَنْ ينساق في تيار الغريب وموجة التخريب معرِّضاً وطنه للهدم وملطّخاً يديه بالدم.

آن أوان الثورة على هذا الهيكل العظمي الذي يسمونه دولة بلا سقف، يتسرب علينا منها المطر ونحن عُراة، ويحرقنا نور الشمس ونحن نعيش في الظلمة، وتتسلل إلينا من جدرانها المتصدّعة أسراب التكفير الروحي، وسموم التطهير العرقي، وآفة التدمير الحضاري.

كل يوم يمضي ونحن نشهد المأساة مكبّلين ونترنَّم بصدى المقابر، هو ورقة تُنْتزع من عمر روزنامة الموت البطيء، إنه رهان الأكثرية المسحوقة فإن هي ظلّت صامتة لا ترفع الصوت ولا ترفع السيف في وجه زبانية التمرُّغ بالفضائح والقبائح والمافيات والنفايات، فإننا نخشى أن نجد أنفسنا أمام مزبلة التاريخ، أو أمام «ألبير كامو» مرة ثانية حين يقول: لا وسيلة للخلاص إلا بالثورة، أو بالإنتحار.