عشرة أعوام مرّت على الانتفاضة الرائعة التي قام بها الشعب اللبناني وأثمرت سريعا إنهاء وصاية النظام السوري التي استمرت ثلاثين عاما. ويخطئ من يحاول أن يصنع من هذا الحدث التاريخي صنما ليمارس طقوس عبادته على مرّ الاعوام لأنه بذلك يجرّد الحدث من تاريخيته التي أنجزت إنتصارا يليق بثورات الشعوب التواقة الى الحرية.
بعد عشرة أعوام على 14 آذار 2005 أصبح لبنان والمنطقة والعالم في واد آخر. فهذا البلد، مثله مثل غيره من دول المنطقة بدءا بسوريا وصولا الى اليمن يواجه واقعا “أمبراطورياً” إيرانيا يطمح الى تصدّر الشرق الاوسط. ولا جدال في أن لبنان كان أول ساحات هذا الواقع. فمنذ العام 1983 اتخذ قائد الجمهورية الاسلامية الامام الخميني قرارا استراتيجيا يجعل من لبنان موقعا تثبت فيه طهران مشروعيتها خارج إيران فنجحت من خلال “حزب الله” في الوصول الى هدفها هذا الذي اقتضى إنفاق مليارات الدولارات الاميركية.
المشروع الايراني تلاقى مع المصلحة اللبنانية حتى العام 2000 عندما تمكن لبنان من طرد إسرائيل من جنوبه. لكن هذا المشروع منذ ذلك التاريخ أصبح نقيضا للكيان اللبناني.
من يتابع الوقائع اللبنانية يدرك أن طهران تدير لبنان. فالاستحقاق الرئاسي بيدها واستمرار حكومة الرئيس سلام مرهون بمشيئتها والاستقرار الامني من خلال ممارسة القوى المسلحة ادوارها معقود لإرادتها. وكل الدعوات الى إبعاد لبنان عن التورط في الحرب السورية ذهبت أدراج رياح “حزب الله” الذي ينطلق من “قاعدة” لبنان ليشن غزواته في سوريا والعراق وفي أي مكان يقرره الجنرال الايراني. بكل وضوح يمكن القول إن لبنان لا يملك حاليا من زمام أمره إلا بمقدار ما يتيحه مرشد الجمهورية الاسلامية.
يجب ألا يغضب المرء ممن يعتبر نفسه مواطنا ينتمي الى بلد مستقل أن يرى كل ما حوله تحت سيطرة ملالي طهران. وما يجري تصويره بـ”المسألة الشيعية” هو تمويه للمسألة الايرانية. فلا السيد حسن نصرالله ولا الرئيس نبيه بري يملك أي منهما قراره. وما يقال عنه “المسألة اللبنانية” هو أيضا تشتيت للامور. فكل ما يمارس الآن هو الرهان على مشروع دولة تنفق السعودية عليه مليارات الدولارات ويحاول تيار “المستقبل” حمايته بالحوار مع “حزب الله”.
الظروف التاريخية التي أنتج فيها اللبنانيون انتفاضة 14 آذار 2005 لم تعد موجودة وقد لا تتكرر. فمن يتفحّص ظروف الزمن الراهن لن يخالجه شعور بأن انتفاضة مماثلة وشيكة الانطلاق. هل ينتفض اللبنانيون على الوصاية الايرانية وهم يتابعون الفيلم الرومانسي الاميركي-الايراني الطويل؟ أم ينتفضون وهم يعيشون في ظل جمهورية الطوائف والمذاهب لولا بقية صالحة يمثلها إرث الرئيس رفيق الحريري متجسّداً بالرئيس سعد الحريري؟ الصورة تبدو قاتمة.