الثورة مدعوة للحذر من محاولات إضعافها وتشويه سمعتها
باتت الخشية من أن ينزلق لبنان إلى المجهول أكبر من أي وقت مضى، وبدأ الخوف يزداد من الدخول في نفق الفتنة البغيضة العمياء، بعد مشهد السبت الماضي المخزي، على إثر التظاهرة التي ما كانت تشبه سابقاتها، بعدما جرى حرفها عن مبتغاها الأساسي، بإثارة موضوع سلاح «حزب الله» الذي يشكل موضوعاً خلافياً بامتياز بين اللبنانيين الذين يجمعهم الكثير، من المطالبة بإسقاط الطبقة الفاسدة وتصحيح المسار الحكومي، إلى استعادة الأموال المنهوبة والتصدي للفساد ومحاربة الفاسدين. فما جرى في وسط بيروت وكورنيش المزرعة وبين الشياح وعين الرمانة، كان عملًا مفتعلاً ومدروساً من الذين أرادوا إيصال الرسائل إلى من يعنيهم الأمر، بأن إعادة أجواء الحرب الأهلية وإغراق البلد بنيران الفتنة، أمر سهل إذا تجرأتم على تجاوز الخطوط الحمر، بعد رفع المتظاهرين شعارات تطالب بتطبيق القرار 1559. وهذا ما أكد «حزب الله» رفضه له، متهماً الحراك وفي أكثر من مناسبة بأنه مسيس ومدفوع من جهات تناصب المقاومة العداء.
وقد أثيرت تساؤلات عن أسباب ودوافع استحضار مفردات سب المقدسات والتطاول على زوجة الرسول الأكرم، وممارسة أساليب استفزازية من جانب هؤلاء الموتورين الذين يتحملون مسؤولية أساسية في دفع لبنان نحو الهاوية، واستعادة أجواء الفتن الطائفية والمذهبية، في الوقت الذي اعتقد اللبنانيون أنها أصبحت وراءهم. لكن ظهر بوضوح أن هناك من يستسهل إعادة تذكير الشعب اللبناني بهذه الحقبة السوداء من تاريخ البلد، إذا ما وجد أن مصلحته في إثارة مثل هكذا أجواء. وإلا ما هو تفسير التعرض لمقدسات المسلمين، وافتعال إشكالات طائفية في منطقة تذكر ببداية الحرب اللبنانية المشؤومة التي لا يزال يعاني لبنان من آثارها حتى اليوم؟ وإذا كانت الجهات السياسية تنفض يدها في كل مرة مما جرى، وتتبرأ من هذه الأعمال المشينة، فمن يقف وراء هؤلاء المندسين الذين يأخذون البلد بأفعالهم إلى الحرب؟ ولماذا لا تكشف هوياتهم وتجري محاكمتهم، لينالوا العقاب الذي يستحقون؟
وإذا كانت هذه المحاولات المشؤومة لإعادة افتعال الحريق في البيت اللبناني الداخلي، قد قوبلت بموجة رفض واستنكار من قبل جميع القوى السياسية الرسمية والحزبية، ما أمكن تطويقها وإخمادها في مهدها. لكن ليس كما يقال، «في كل مرة تسلم الجرة»، خاصة إذا كان هناك من يحرك أيادي الفتنة التي تريد شراً بلبنان. ولا بد أن تتحمل القيادات السياسية مسؤولياتها التاريخية في حماية الاستقرار والسلم الأهلي في البلد. من خلال التشدد في المحاسبة والكف عن سياسةالتحريض والدعوات الانقلابية على النظام. فهذه كلها مسببات تتلاقى في هدم الوطن وتقويض ركائزه وتعريض استقراره للخطر، في موازاة الأخطار الإسرائيلية والإرهابية التي لا تقل شأناً عما يخطط للبنان من قبل مفتعلي الفتن والمروجين لها. وهذا ما أشارت إليه قيادة الجيش التي تدرك أكثر من غيرها خطورة ما جرى، وما يمكن أن يجري في حال تكررت مثل هذه المحاولات الخبيثة لهدم الهيكل على رؤوس الجميع. وبالتالي فإن دقة الظروف التي يمر بها لبنان، تستوجب إطلاق يد المؤسسة العسكرية في تعقب أيدي الشر لقطعها من جذورها، والتشدد أكثر من أي وقت في فرض الأمن والنظام، باعتبار أن الاستقرار خط أحمر ولا يمكن التساهل حيال محاولات زعزعته.
وتحت هذا العنوان، ولأنه يستشعر المخاطر المحدقة بالبلد في أعقاب ما جرى، فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يحذر دائماً من المغامرات غير محسوبة العواقب، تحرك باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، فكان تشديد من قبل الرجلين على ضرورة صون الوحدة الوطنية وحماية السلم الداخلي، بما يمنع حصول ما قد يثير الانقسامات بين اللبنانيين، في وقت أحوج ما يكون لبنان إلى ما يعزز تضامنه وتماسك أبنائه، بعدما ترك البيان الذي أصدره الرئيس بري ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان ارتياحاً كبيراً على الصعيدين الإسلامي والوطني. وفي اللقاء الذي جمع جنبلاط بالرئيس سعد الحريري، كان تركيز على أهمية تحصين الجبهة الداخلية، وجبه محاولات اختراقها، وتالياً عدم الإفساح للمصطادين في المياه العكرة، لتحقيق مخططاتهم المشبوهة على حساب لبنان ومصلحة شعبه.
وتدعو أوساط مراقبة، الثورة إلى إجراء مراجعة نقدية لمسار تحركاتها، بعد مشهد السبت الماضي الذي شوه العناوين المطلبية التي يرفعها الثوار في تحركاتهم منذ السابع عشر من تشرين الماضي، ما يفرض التمسك بهذا العناوين، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، وعدم إفساح المجال أمام الجهات المتضررة من هذا الحراك لحرفه عن بوصلته، وتشويه سمعته، بإثارة ملفات سياسية موضع خلاف كبير بين اللبنانيين، ستقود بالتأكيد إلى إضعاف الثورة وإفقادها حيويتها، وهذا ما تريده السلطة والقيمون عليها.