بعد انقضاء 100 يوم على استلامها دفة الانقاذ، كان من المفترض ان تمثل حكومة حسان دياب امام المجلس النيابي للمحاسبة والمساءلة وليس لمواكبة التشريع فقط. كما كان من المفترض على مجلس النواب عدم التناقض مع اقتراحات وضعتها كتله النيابية، أوّلها وليس آخرها تطبيق سياسة التقشّف في الايام الاقتصادية العصيبة لكنها خرقت توصياتها فانتقلت الى الاونيسكو غير آبهة بمصاريف الانتقال، فيما خرق مجلس النواب ايضاً قرارين إضافيين للحكومة التي منحها ثقته من خلال خرق «قانون الوقاية»، فلم يتجاوب أغلبية النواب مع ضرورة التقيّد بأصولها وتقديم أمثولة للشعب وللمواطنين الذين كانوا يشاهدون مباشرة على الهواء وصول أغلبية النواب غير آبهين بوضع الكمّامات الوقائية. أمّا الخرق الثالث فكان لقرار التعبئة العامة القاضي بعدم التجوّل بعد السابعة، بعدما قرر رئيس المجلس استكمال الجلسة الصباحية بجلسة مسائية.
لكنّ كمّامات من نوع آخر كانت بالمرصاد لنواب الأمة، وهي كمامات العلم اللبناني التي استعان بها الثوار سلاحاً فتوجّهوا من كل المناطق اللبنانية بسيارات تحمل أرقاماً مزدوجة تجاوباً مع قرارات الداخلية، ليؤكدوا انّ الثورة التي انطلقت في 17 تشرين الأول مستمرة، وهي ملتزمة ايضاً بالاصول القانونية لجهة التقيّد بقرار التعبئة العامة إنما بوجوه عدة ولا يمكن لوباء طبيعي او وباء الفساد إيقافها، ووفق الثوّار هذه الثورة انطلقت وستستمر من خلال أوجه عدة.
وعلى وقع تجدّد تحركات الشارع، إحتدم في الاونيسكو النقاش والسجالات. امّا في المشاهدات فقد اعترضت الكتائب اللبنانية على الظهور المسلّح لبعض العناصر التي اكدت بأنها غير شرعية، لكنّ الرد سرعان ما أتى على لسان رئيس المجلس مؤكداً أنّ هذه العناصر هي بَحت أمنية، وانّ العناصر الاخرى داخل القاعة تابعة لشرطة المجلس، فيما شوهدت لاحقاً بعض هذه العناصر المسلحة تنسحب من محيط الأونيسكو.
تجدر الاشارة الى انّ النائب بولا يعقوبيان اعترضت على طلب بري بعدما فضّل عدم التكلّم في الاوراق الواردة منعاً للسجال السياسي، مفضّلاً الانكباب على التشريع والعمل المجدي.
أقرّت أغلبية القوانين لأنّ معظمها تحوّل مباشرة من اللجان او من الحكومة، وأبرزها المتعلقة بقروض وبمساعدات للجسم الطبي وللمستشفيات وللقطاعات الطبية وللمساعدات الاجتماعية في ظل أزمة كورونا.
امّا أبرز القوانين التي احتدم النقاش حولها خارج القاعة العامة، فكان قانون العفو العام المقدّم من 3 كتل بعدما أضيف اليهم قانون كتلة الرئيس ميقاتي وقانون معجل مكرر مقدّم من النائب ميشال معوض.
أبرز المعترضين على قانون العفو العام كتَل «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» و»الكتائب اللبنانية»، علماً أنّ القانون شهد اعتراضاً قاسياً من قبل معارضيه خاصة في ما يتعلق بالصيغة التي تمّ إدراجه بها وهي صفة العجلة التي اعترض عليها النواب الرافضين لمبدأ قانون العفو العام، فيما اعتبر هؤلاء النواب انّ هذا القانون يتم سَلقه بينما الانسَب تحويله الى اللجان بسبب الثغرات التي تعتريه، والتي سيستفيد منها مجرمون شاركوا بعمليات إرهابية ويجدون مخرجاً من خلال هذا القانون، أي قانون العفو العام، للهروب.
ويعتبر هؤلاء النواب انّ وضع هذا البند تحديداً على جدول اعمال المجلس بالشكل مُخالف لكل المطالب الاصلاحية في القضاء، ومعارض لأهداف البنود المدرجة على جدول اعمال الجلسة، لا سيما تلك المطالبة بمكافحة الفساد، ويشكّل تناقضاً فادحاً لجوهر المحاسبة، متسائلين كيف نطالب باستعادة الاموال ومحاسبة المدراء العامّين في الدولة والتشدّد في العقاب ونطرح في المقابل قانون عفو عام، اذ الأجدر وفق هؤلاء مقاربة موضوع العفو عبر معالجة موضوع الاكتظاظ ليس بالهروب الى الامام بل بوضع خطط استراتيجية.
واعتبر هؤلاء النواب انّ المعالجة لموضوع الاكتظاظ لا تكون بالعفو بل بتسريع المحاكمات، والسؤال موجّه الى وزيرة العدل، «فكيف نطالب بالتشدد في مكافحة الفساد ونفتح الباب لإقرار قانون العفو العام؟».
في المقابل كان لافتاً دفاع كتلة التنمية والتحرير وكتلة الوفاء للمقاومة عن القانون، بالإضافة الى كتلة المستقبل والاشتراكي.
وكان لافتاً تصاريح نواب كتل دعم أعضاؤها مطلب قانون العفو العام باعتبار انها في ظل الوباء المستجد هي مطلب انساني، لافتةً الى انّ ثلثي الموجودين في السجون هم من الموقوفين وليسوا من المحكومين، بعكس القوانين العالمية التي تقضي بأن يكون الموجودون في السجون ثلثهم من الموقوفين بينما يحصل العكس في لبنان.
إلّا أنّ هؤلاء النواب شددوا على عدم الافراج عن الإرهابيين والتكفيريين والذين لهم علاقة وصِلة بالجرائم المتعلقة بالمال العام وجرائم العمالة والارهاب، لافتين في الوقت نفسه إلى أنّ اللحظة مناسبة لإقرار قانون العفو الخاص المنوط برئيس الجمهورية.
جابر: قانون العفو يتضمن استثناءات اكثر من إعفاءات
من جهة أخرى، اعتبر النائب ياسين جابر انّ قانون العفو الذي عدّلته كتلة التنمية والتحرير وتمّ دمجه مع قانون تيار المستقبل وتحديداً القانون الذي تقدمت به النائب بهية الحريري، يتضمن استثناءات اكثر منه إعفاءات إذا ما تمّ التدقيق بتفاصيل القانون وجوهره، موضحاً لـ»الجمهورية» «انّ القانون خاضع للتعديل والنقاش وليس مُنزلاً، وأنه شخصياً ضد الاعفاء بحق تجّار المخدرات الكبار»، لافتاً الى انّ «مشاريع القوانين ستتم مناقشتها في الجلسات المنعقدة خلال يومين، وانّ مجمل تلك القوانين لا سيما المتعلقة بالعفو العام سيتم دمجها ومناقشتها وتعديلها بعد إجراء التعديل المناسب لها»، علماً أنّ جوهر الخلاف كان على بند في القانون الذي تقدمت به النائب بهية الحريري وأدرَجته في نهاية القانون، والقاضي بتخفيض مدة العقوبة على المحكومين الذين تمّ استثناؤهم ولن يستفيدوا من إقرار العفو العام. هذا الجَو هو الذي رفضته كتلة «الجمهورية القوية» و»لبنان القوي» و»الكتائب اللبنانية» باعتبار انه يتناقض مع مبدأ العفو العام بالمطلق، إذ لا يجوز على هؤلاء المحكومين، إن كان بحق العسكر او تجار المخدرات الكبار، أن يَطالهم أي شكل من أشكال العفو او تخفيص مدة الحكم.
الّا انّ الاحتدام الصباحي حول إقرار مشروع العفو العام وصل الى حل مسائي قضى بتأليف لجنة تضم نواباً من كافة الكتل النيابية، بهدف التوصّل الى صيغة نهائية مشتركة تراعي الهواجس والاعتبارات الانسانية الموجبة لإقرار المشروع بعد عرضه على الهيئة العامة للمجلس للتصويت عليه في الجلسة الختامية، او إحالته الى اللجان في حال لم يتم التوصّل الى اتفاق.
بالاشارة الى الطرح الجديد الذي تقدمت به كتلة الرئيس ميقاتي، فمضمون القانون المعجّل المكرر يقضي بطلب إخلاء سبيل كافة الموقوفين الذين لم تتم حتى الساعة محاكمتهم وفق شروط مدروسة، على ان تتم إعادتهم الى السجون مع احتساب الفترة التي قبعوا فيها في السجن بعد إتمام جلسات محاكمة لهم في المستقبل.
قانون «القنب»
وكان قانون زراعة «القنب» من البنود التي أخذت جدلاً ايضاً في المجلس، لكنه حظي بأكثرية في التصويت بعدما أُشبِع درساً في اللجان المشتركة، إلّا انّ كتلة الوفاء للمقاومة أبقَت اعتراضها على القانون فلم تصوّت له. وتجدر الاشارة الى تَحفّظ النائب عاصم عراجي الذي اعتبر انّ الأهم من إصدار القوانين هو تطبيقها، متخوّفاً من إقرار قانون القنّب، ومعتبراً انّ الدولة غير قادرة على ضبط إيقاع تشريع هكذا قانون خاصة في ما يتعلق بزراعته في البقاع. كما لفت الى انّ الدولة لن تكون قادرة على حصر زراعته للدواعي الصحية فقط.
امّا في ما يختصّ باقتراحات القوانين المتبقية فلم يتم إعادتها الى اللجان كما جرت العادة بعدما شبّعت درساً فيها، وتم التصويت عليها ضمن صفة العجلة من قبل أغلبية الكتل خاصة القوانين التي تتعلق بتعليق المهل التي صَوّتت عليها أغلبية الكتل النيابية بعد ان ضمّت اليها ايضاً 3 قوانين مشابهة تتعلق ايضاً بتعليق المهل، وقد تم إقرارها جميعها باستثناء بعض القوانين التي تم إعادتها الى اللجان، وقوانين تم رفضها بخاصة تلك المتعلقة بطلب قرض بـ 4,9 ملايين دولار لعدم قدرة لبنان على الاقتراض في هذه المرحلة لا سيما بعدما تبيّن انّ الجزء الاكبر من هذا القرض مخصّص للعمالة السورية، فاستجابت الحكومة ورَدّت الطلب ولم تستجب لاعتراض كتلتي المستقبل والاشتراكي اللتين اعتبرتا أنّ القرض سيدخل الـ fresh money الى الاسواق والمصارف، وانّ لبنان سيستفيد من هذا القرض.
في المقابل إنّ الاعتراض الشرس على هذا القرض المتعلّق بطلب قرض من البنك الدولي والمتعلق بالزراعة واجَهته هجمة شرسة من الكتائب والتيار الوطني الحر على لسان الوزير جبران باسيل وسامي الجميّل، بعدما نجحا بإيقافه.
وفيما طالبَ الوزير باسيل الحكومة اللبنانية بموقف واضح من ملف النزوح السوري، لفت الى أنّ هذا النزوح كَلّف الدولة اللبنانية حتى اليوم 42 مليار دولار. كذلك طالب النائب جورج عدوان الحكومة بمعرفة ما لها وما عليها، كما طالبها الكشف عن خطة اقتصادية واضحة، فأجاب دياب أنها تُدرس وسيتم متابعتها هذا الاسبوع.
تبقى الاشارة الى قانون مكافحة الفساد في القطاع العام الذي تم إقراره صباحاً، إضافة الى سلسلة قوانين متعلقة بظروف كورونا وغيرها.