حسب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه «سيشيل الزير من البير» باجتماعه ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، واستتباعه الاجتماع باتصال هاتفي للوقوف على خاطر رئيس مجلس النواب نبيه بري ودعوته إلى الإليزيه، كما وإغداق الوعود لإنقاذ لبنان ودعم جيشه والمساهمة في حل مشكلة النازحين السوريين… فتح باب التوقعات لقراءات تمهد للحلول.
لكن «حزب الله» سارع ليبدد أوهام ماكرون ويفهمه بالعربي الفصيح أن حساب الوعود سيبقى ممنوعاً من الصرف، لأنه وحده الحاكم بأمره وأمر رأس محوره، وأي جهود دبلوماسية ولو على مستوى الرئاسة الفرنسية ليست أكثر من حبر على ورق… و»انقعوها واشربوا ماءها». فالرد السلبي على ما يمكن أن ينتجه اللقاء الباريسي، تجلى في اجتياح مسؤولين من الصف الأول في «حزب الله» للمشهد الإعلامي نهاية الأسبوع الماضي.
افتتح المشهد الشيخ نعيم قاسم بحديث إلى محطة تلفزيونية أميركية ربط فيها استقرار لبنان بحرب غزة، وأطل بعده النائبان محمد فنيش وحسين الحاج حسن لترسيخ فائض الفوقية، وتوج الاطلالات النائب السابق نواف الموسوي، الذي صال وجال على مساحة البث، ليؤكد وبالقلم العريض أنّ «الحزب» لم يعد يتحمل من ينتقده ويرفض مصادرته سيادة لبنان لمصلحة رأس محوره الإيراني، ويصف «الآخرين» المغضوب عليهم، بأنهم يشكلون «لوبي إسرائيلي، مِن هوي وزغير حملو اريال شارون على ايدو وربتلو على كتفو هو وطفل. هذا اللوبي بيكرهنا ولا يحبنا وهو عنصري وهو طائفي وهو إنعزالي»، وظيفته تقتضي طعن «المقاومة». ولا سبيل لوضع حد لعناصر هذا اللوبي وللعدو الإسرائيلي الذي يرعاه إلا بإدراج هذه «المقاومة» في الدستور.
ولمَ لا؟ فأقل ما يفترض باللبنانيين هو أن يردوا الجميل لهذا «الحزب» فينسفوا الدستور لأجله ويعيدوا صياغته على قياس مصالحه ومصالح مشغليه. وبماذا يمتاز عنه «الحشد الشعبي» الذي لا يضاهيه في الخبرة، ومع هذا شرعنت دولة العراق وجوده بموجب القانون؟ وما الذي يمنع إنشاء حرس ثوري لبناني، لا سيما بعد أن أكد الأمين العام للحزب حسن نصر الله فخره واعتزازه لكونه جندياً في ولاية الفقيه؟
وكأن «الحزب» يريد من هذا الغزو الإعلامي قطع الطريق على مجرد الأمل بأن تسفر الجهود الدبلوماسية لإخراج لبنان من دائرة الخطر عن أي خطوات فعالة في ضوء التطورات، مذكراً الداخل والخارج بأنه الحاكم بأمره، وبأمر رأس محوره الذي دخل على خط الصراع من خلال قواعد اشتباك جديدة على إيقاع رسائل المسيرات ومفرقعاتها الخلبية. أو هو يلفت نظر المسؤولين في عواصم القرار إلى أن تحذيراتهم المتعلقة بنِيَّة إسرائيل توسيع الحرب على لبنان هي في ذيل قائمة اهتمامات الحزب، ووعودهم بحماية لبنان وتجنيبه تجرع المزيد من السم وحل أزمة الشغور الرئاسي، لن تنفع، وهي لم تنفع في السابق. كما أنّ اجتهادات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بشأن تنفيذ القرار 1701 معدلاً، هي أيضاً في ذيل الاهتمامات. وأي كلام عن حلول في لبنان لا يزال مرتبطا في العلن بوقف العدو الصهيوني حربه على غزة.
أما بشأن ما يكمن خلف العلن، فالمشروع لا يزال على حاله، ويتلخص بتكريس مصادرة السيادة وفقا للأجندة الإيرانية، وشرعنة هذه المصادرة بتعديل دستوري، وإلا ستستمر مواسم الانهيار، وسوف تتنوع منابعها وتتناسل منها ملفات ساخنة ودموية ربما، ولن يكون مسموحاً بعودة ملف الأزمة اللبنانية إلى طاولة المتابعة الدولية، ولن تنفع لقاءات اللجنة الخماسية، إلا متى حصل «الحزب» ومن خلفه مشغله الإيراني على مطالب تجذِّر نفوذ هذا المحور وترهن مصير لبنان له.