قدّم الرئيس الاميركي باراك أوباما تأكيداً عَلَنياً بقرب البدء بمفاوضات حول سوريا ولكن بعد الانتهاء من تمرير الاتفاق النووي مع إيران عبر الأطر الدستورية الأميركية.
كلام أوباما جاء ليُعزّز اللفحة التفاؤلية التي تسود الشرق الاوسط حول البدء بفتح الملفات الصعبة للمنطقة من خلال الملف السوري بدليل الحركة الحثيثة التي بدأت فعلياً والتي تهدف الى وضع الإطار الصالح للشروع بالمفاوضات والتسويات حالما تتفرّغ الادارة الاميركية لذلك في ايلول المقبل. وبالتالي فإنّ لبنانَ مرشحٌ لاستقبال اولى الانعكاسات الايجابية للملفّ السوري بحيث يُصار الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد إنجاز تعديلات دستورية سريعة وذلك قبل نهاية العام الجاري.
لكنّ هذه الصورة الوردية تشوبها عوائق كثيرة قادرة على تبديد هذا التفاؤل وإبقاء الأمور في دائرة النزاعات الدموية إذا لم يكن مزيد من الارتفاع في حماوتها. ذلك أنّ العواصم الغربية التي تراقب عن كثب الحركة الايرانية الداخلية والصراع الكبير الدائر بين الإصلاحيين برئاسية الرئيس الايراني حسن روحاني والمحافظين الذين يتزعمهم مرشد الثورة السيد علي خامنئي، تبدو متخوِّفة من ترجمة ذلك من خلال تصاعد الصراع الدائر في مختلف ساحات الشرق الاوسط ولا سيما سوريا ومعها لبنان.
ووفق هذه الاوساط فإنّ الإشارات المبكرة التي صدرت عن الحرس الثوري الايراني، وهو العمود الفقري لجناح المحافظين، تحدّثت عن صراع مستمرّ مع الولايات المتحدة الاميركية بعد توقيع الاتفاق.
وتقول الاوساط الديبلوماسية إنّ المحافظين الذين أيّدوا الاتفاق لأسباب اقتصادية ملِحَة واعتبروا أنّ ايران نجحت في فكّ الحصار المضروب عليها من دون تقديم تنازلاتٍ كبرى بدأوا يرسمون سياستهم المستقبَلِية والقاضية بإجهاض المشروع القاضي بنفاذ الولايات المتحدة الاميركية الى داخل البيت الايراني من خلال فجوة الاقتصاد والاستثمار، وبالتالي نقل «المزاج» الايراني من العقيدة الى المصالح الاقتصادية والتجارية.
وتعتبر هذه الاوساط، أنّه إذا كان الاستثمار والنموّ الاقتصادي هما المدخل الملائم لتغلغل الشركات الاجنبية في النسيج الايراني الداخلي ومن خلاله للتأثير في المزاج السياسي العام، فإنَّ استمرار تَوحيد الشارع الايراني حول قضية حيوية أكبر تتعلق بالصراع مع إسرائيل و»أعداء» الثورة الاسلامية يقفل أبواب الخط المقبل عبر شرايين الاقتصاد.
وحسب هذه الاوساط، فإنّ السلطات الايرانية تبدو حريصة على عدم «تبذير» الارصدة التي سيُفرِج عنها الغرب بما معناه مثلاً، فإنّ شركات الطيران العالمية ولا سيما «بوينغ» و«ايرباص» تتسابقان لتحديث الاسطول الجوي الايراني.
وقيل إنه في احدى جلسات التفاوض فاجأهم الوفد الايراني بأنّ بلاده تحتاج الى 200 طائرة وليس 90 كما هو رائج لكنّ ايران تريد قبل ذلك شراء حصص كبيرة في المصانع التي تنتج هذه الطائرات. والاستنتاج واضح هنا بأنّ ايران تريد الامساك بشرايين الشركات الضخمة التي تسعى للتمدّد في أنحاء الجسم الايراني.
على رغم ثقة ايران بأنّ الادارة الاميركية ستنجح في نهاية المطاف في معركتها الداخلية لإقرار الاتفاق، إلا أنها تتحسّب للاسلوب الاميركي التقليدي الذي يستبق المفاوضات والذي يتلخّص بالضغط الكبير. وقد تكون بوادر هذه الضغوط قد بدأت بالظهور لناحية الضغط على الرئيس السوري بشار الاسد في سوريا وعلى «حزب الله» في لبنان.
في المقابل، سينتظر الحرس الثوري هذه المرحلة للدخول في مرحلة متشدِّدة وهو ما سيؤدّي حكماً الى دفع المنطقة الى مراحل أكثر تعقيداً. هناك مَن يعتبر أنّ الحرب الدائرة في سوريا لم تستنفد بعد كلَّ أهدافها، وأنه ربما أمامها الكثير من الوقت قبل حصول المتغيّرات المطلوبة.
أضف الى ذلك أنّ قوى كثيرة في المنطقة تعتقد أنها لا تزال في حاجة لاستمرار الحريق السوري لفترة ليست بقصيرة، وبالتالي فإنّ سَعْيَ البعض لإنجاز تفاهم أو تسوية مرحَلية قد يكون كلاماً سابقاً لأوانه.
وهذا الواقع يقود الى كلام متشائم أيضاً عن لبنان. فقريباً ينتهي «حزب الله» ومعه الجيش السوري من معركة الزبداني بعدما فشلت المفاوضات التي كان محورها مقايضة واقع القريتين الشيعيَتَين المحاصرتين في سوريا بالزبداني.
وبعد الزبداني تنطلق مجموعات «حزب الله» الى إنهاء جرود القلمون وعرسال. واقع أمني صعب سيترافق مع ضغط اميركي على الحزب في ظلّ أزمة سياسية دخلها لبنان للتَو على وقع قرار التمديد في المواقع العسكرية.
حماوة داخلية أمنية وسياسية ستضع لبنان أمام طريق من اثنين:
1- إما استغلال التدهور الحاصل وارتفاع مستوى الأزمات لدفع الأطراف الداخلية لتسوية سياسية تأخذ في حساباتها بنوداً ترضي مختلف الأطراف وتؤدّي الى انتخابات رئاسية وفصل الساحة اللبنانية بالحدّ الأدنى عن اللهيب السوري.
2- أو اندفاع الأمور في المسار الصعب وسط التعطيل الذي يصيبُ مجلس النواب والحكومة والشلل الذي سيضربُ المرافق العامة. وهو ما يعني جعل الإهتراء يصيب كلَّ مفاصل الدولة لتهيئة الساحة أمام مؤتمرٍ تأسيسي ينتج عنه نظام سياسي جديد في لبنان على أنقاض الجمهوريَتَين الاولى والثانية.
وبالتأكيد فإنّ جناحَ المحافظين في ايران يؤيّد، إن لم يكن متحمِّساً، للذهاب في هذا الاتجاه في حال سمحت له الظروف والتطوّرات بذلك.
أيّ اتجاهٍ ستسلكه الأحداث؟ الجواب رهن سلوك الأطراف اللبنانية أيضاً.