لعلّ أخطر ما يمكن أن ينتج عن الترقيات لا يقتصر على التلاعب بهرمية المؤسسة العسكرية، بل بما سينتج في السياسة عن هذه الترقيات إذا تمّ الاتفاق عليها.
عندها يقول أكثر من مصدر أنّ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون سيضع رجله على الطريق الى قصر بعبدا، وسيُثبت أنّ التعطيل الذي مارَسه بقوة «حزب الله» قد أتى بنتيجة جيّدة، وهو ما سيُؤهّله للاستمرار في تعطيل انتخابات الرئاسة، حتى انتخابه رئيساً.
ربما هذا ما يُدركه بعض الديبلوماسيين الناشطين على خطّ التسوية، وما لا يُدركه البعض الآخر ممّن يُركّزون على الانتهاء من أزمة الترقيات، لاعتقادهم أنّها ستكون خاتمة التعطيل في مجلس الوزراء، في حين ستتحوّل حسب معظم العارفين الى مكافأة مجانية للعماد عون و«حزب الله»، للاستمرار في تعطيلهما انتخابات الرئاسة، ولن تنفع الاتفاقات والتفاهمات حتّى لو كانت مكتوبة، إذ ليس هناك من ضمانة بأن يلتزم الحزب وعون تسييرَ أمور مجلس الوزراء، كما ليس هناك مِن ضمانة للإقلاع بعمل المجلس النيابي، ويبقى اتفاق الدوحة المكتوب الذي خرَقه «حزب الله» خير شاهد، على قدرة الحزب الانقلاب على عهوده متى اقتضت مصلحته ذلك.
رحلة ملف الترقيات كانت انطلقت بموافقة مبدئية من الرئيس سعد الحريري على البحث في الموضوع، واتفق على عقد جلسة على هامش الحوار لهذا الغرض، وتأخّر عقدها الى الجلسة الاخيرة، حيث انتظر الرئيس نبيه برّي انتهاءَ الحوار ليأخذ الرئيس فؤاد السنيورة من يده، الى جلسة مصغّرة كان فيها العماد عون الطرف المسيحي الوحيد، وكان خطأ السنيورة الاستمرار في تلك الجلسة بغياب شركائه المسيحيين.
في تلك الجلسة كاد الجميع يصل الى حدّ استعطاف عون ليقبل بالتسوية في مقابل تفعيل عمل المجلس والحكومة. سُئل السنيورة عن رأيه، فأيَّد التسوية شرط الاتفاق المسبق على مبدأ دستورية تنظيم عمل الحكومة، أيْ التصويت بالأكثرية أو بالثلثين حسب أهمية البنود، ووفق ما يقول الدستور، فما كان من عون إلّا أن رفض الأمر رفضاً مطلقاً.
حتى الأمس، كانت تسوية الترقيات تراوح مكانها، في ظلّ رفض ثابت من وزراء الرئيس السابق ميشال سليمان وحزب الكتائب اللبنانية ووزير العدل أشرف ريفي، وهؤلاء جميعاً متضامنون في موقف واحد رافض المسّ بالتراتبية والهرمية في المؤسسة العسكرية، لأسبابٍ عدة ليس أقلّها المسّ بموقع قائد الجيش، الذي سيكون قائداً ممدّداً له، بموجب قرار من وزير الدفاع على شكل تأخير التسريح، فيما سيجد ضباطاً مسيحيون تمّت ترقيتهم بقرار من مجلس الوزراء، وهذا بحدّ ذاته إضعاف لموقع قائد الجيش أيّاً كان الشخص الذي يشغله.
في مواجهة الرافضين للترقيات، يعمل حشد ديبلوماسي وقوى سياسية بشكل منظّم على إقناع الرافضين بالقبول، وأوّلهم السفير الاميركي ديفيد هيل الذي قال لأحد المقرّبين من الرئيس الحريري: «من ترفضون ترقيته، ولاؤه لنا وليس لأيّ طرف آخر».
أما السفير السعودي علي عواض عسيري الذي يبدو أقلّ حماسة للموضوع، فهو يتحرّك وفق قاعدة الانتهاء من مشكلات اللبنانيين الصغيرة، التي لا وقت للمملكة المشغولة بأحداث سوريا واليمن، التفرّغ لها.
في انتظار انتهاء مهلة الترقيات سواءٌ لجهة الذهاب الى التقاعد، او ترتيب تأخير التسريح، لا يبدو أنّ الاتفاق على الترقيات في مجلس الوزراء سالكٌ أقلّه حتى إشعار آخر، فلا الكتائب ستتراجع على رغم الضغط الديبلوماسي الكثيف الذي يمارس على النائب سامي الجميّل، ولا وزراء سليمان في طور التراجع عن رفض الترقيات، التي إذا ما أُقرّت فإنها ستُسجّل سابقة في تاريخ المؤسسة العسكرية، وأضراراً يستحيل إصلاحها.