IMLebanon

الرياشي.. الغجري الذي أوصل «مياه الذهب» إلى بعبدا

مع حقيبة وزارية او من دونها، حَجز «وزير المصالحة» ملحم الرياشي موقعا متقدّما في معراب.. بات الرجل في موقع سياسي أقرب الى سمير جعجع.

اسكندر، كما يصفه ميشال عون تيّمنا بأحد اجداده الصحافي «التائه» اسكندر الرياشي، قدّم استقالته من جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» بعد إنجازين: إعلام «الحكيم» صار أقل شراسة واكثر اعتدالا وديبلوماسية في التعاطي مع إعلام الخصم. الانجاز الثاني يتمثل بالمساهمة في نقل معراب من «عصر» الى آخر. تلك «المصالحة» التي سيتعيّن على الرياشي بذل جهد أكبر لاحقا لصيانتها وحمايتها من موقعه العتيد!

في أرشيفه هي المصالحة الثانية بعد تلك التي كان هو احد اركانها في العام 2000 بين البير مخيبر والنائب ميشال المر، حين كان مستشاراً سياسياً للاول. بعدها طلب منه الياس المرّ ان يعمل معه بصفة مستشار لشؤون الدعاية والتوجيه في وزارة الداخلية. اشتغل على «صورة» الوزير، لكنه حولّ، من دون قصد، مقرّه الى «مكتب للمعارضة».

من تجرّأ على تبرئة «يهوذا الاسخريوطي» ستهون عليه الكثير من الامور. كتابه الجدلي ترجم الى الانكليزية من قبل المؤرخ الراحل نقولا زيادة الذي رفض اي أجر لقاء الترجمة نتيجة إعجابه بالكتاب.

قبل أسابيع، وفي خضمّ معركة تأليف الحكومة وصراع الحقائب، دعا معارفه عبر غروب «واتساب» لحضور حفل توقيع ترجمة الكتاب الى الفرنسية وكأنه غير معني بـ«المطحنة الحكومية».

من يرتشف القهوة صباحا في معراب، ليقفز بأقل من ساعة ويحطّ في بعبدا (سابقا الرابية)، ويكمّل نزولا صوب «بيت الوسط» حاملا معه كل اسرار ووصفات التركيبة الوزارية و«دي أن آي» النوايا وخبايا المظلوميات، لن يحول شيئا بينه وبين قعدة «المعلم جان» في مطعم «كرم ع درب» المتواضع جدا على طريق بكفيا. التهام سندويش دجاج على الفحم الى جانب سائقي الشاحنات يغنيه عن كل فخامة مآدب التزلّف والثرثرة في مطاعم النخبة.

نادرا ما ترصده وسط «اجتماعيات» كبار القوم. لم يصبّ بلوثة «التفشيخ»، ويتنقّل من دون مرافقين. جاكيت و«boots» حتى في عزّ الصيف، والاسود لباسه المفضل.

بساطة يعشقها «الغجري» كعشقه للموسيقى والقراءة وإيمانه بالقضية المسيحية المشرقية. سيكون مفهوما لماذا اختاره سمير جعجع وليس أي أحد آخر ليكون «جسر» المصالحة مع الخصم التاريخي ميشال عون، طالما أنها مشروعه الفطري ايمانا منه بأهمية التلاقي المسيحي والذي انتهى بـ«مياه الذهب»، كما قال، بانتخاب «الجنرال» رئيسا للجمهورية.

تحدث في العام 2011 في البرلمان الاوروبي مع ثلاثة أساقفة من العراق قائلاً للاوروبيين: «انتم الكرمة اما نحن فجذورها، وما تفعلونه في المشرق هو مساهمة فعالة في قطع الجذور ولكن لا تنسوا، اذا قطعت الجذور… سقطت الكرمة»!

إن قدّر له دخول نادي الوزراء لن يكون إلا علامة فارقة يصعب استنساخها. يناضل حتى لا تغيّره السياسة. يعشق بيتهوفن وماهلر كما «خليل الكافر» الثائر ويعتبره افضل من «النبي» الواعظ عند جبران خليل جبران.

لا يعجبه نظام ميخائيل نعيمه اللغوي لكنه يهوى كتاب «مِرداد» ومنه يردّد «لستم بحاجة الى هياكل تصلّون فيها، فمن لم يجد في قلبه هيكلا لن يجد قلبه في أي هيكل». لا ينفك يمتّع عينه الثالثة بحزن فان غوخ وعشاء دالي السري، الا ان صرخة «مونش» هي الاكثر حضوراً في وجدانه.

يعجبه فكر «الرواقيين» وهايدغر وكانت، ويعتبر ماركس مسيحياً اكثر من كثيرين. يقدّر فكر انطون سعاده ويحترم جرأته حتى الشهادة التي تشبه، برأيه، جرأة سمير جعجع في تسليم نفسه لـ«الغول»!

الى هذا الحدّ، يزاوج الرياشي بين الفلسفة والفكر واليوميات السياسية البائسة والسخيفة احيانا كثيرة. مروحة من العلاقات لا تستثني احدا راكمها في الفترة الماضية. بخيل في تقديم المعلومة لمن يحتاجها، ومقلّ في الدعاية لكتبه، لانه يعتبرها جزءاً من آت «لا ولن يموت».

قالها جعجع صراحة لعون حين قصد الاخير معراب لإعلان بنود التفاهم المسيحي «بعد 30 سنة «الكتلوكي» (الكاثوليكي) قِدر يصالحنا». كان سبقه «الجنرال»، ومنذ أول جلسة جمعته لنحو ثلاث ساعات بالرياشي بحضور ابراهيم كنعان، حين علّق قائلا: «بين المزح والجدّ، رح يصالحنا». بالوقائع جعجع يثق به كثيرا وعون يقدّر دوره وعمق أفكاره مع تنويه دائم بـ«هضامته».

انتقال «الجنرال» من الرابية الى بعبدا قلّص مساحات التلاقي، لكن حين يطلب الرياشي موعدا لا يتأخر مكتب الرئيس عن تحديد الوقت. قبل أكثر من أسبوع، التقى الرئيس في مكتبه الخاص وكانت فسحة لتقديم التهنئة والحديث عن الحكومة وعِقد حقائبها، وتكرر الامر مع زيارة الرياشي ليل أمس الى سعد الحريري في «بيت الوسط».

شقيقه عبدالله مسؤول «القوات» في الخنشارة مثال له في الصلابة والالتزام الكنسي. ابن خالته وليد المنير صديق العمر والطفولة شهيد في حرب الجبل في العام 1984. يشكّل سقوطه مفترقاً في فلسفة الرياشي مع الحياة. أبكاه كثيراً فيلم «عرقتنجي» الاخير حين دخل فيليب على أمّ شهيد من رفاق طفولته.

يردّد كرهه لأعمال الامن والمخابرات ويحتقر رافعي التقارير. يمارس لعبة الشطرنج، يعشق شجرة الزيتون، يكره الرياضة البدنية الا السير في العاصفة الثلجية، ويهوى ركوب الخيل ولديه مجموعة كتب حول تأصيلها.