Site icon IMLebanon

رياض سلامة… في وجه العقوبات الأميركيّة

يواجه لبنان في هذه الفترة تحديات ومخاطر متعددة المصادر والأشكال والأحجام تبدأ بالتهديدات الإرهابية والتحركات المشبوهة على الحدود الشرقية في جرود عرسال ورأس بعلبك، والتوترات والإشتباكات المتنقلة في المخيّمات الفلسطينية من مخيم عين الحلوة جنوباً الى مخيّم البدّاوي شمالاً، اضافة الى التهديدات الإسرائيلية للبنان وطريقة رد حزب الله عليها، مروراً بقانون الإنتخاب الذي لم يُسجّل فيه اي تقدّم واختراق وحيث يستمّر الدوران في حلقة مفرغة حتى الساعة، انتهاء بالأوضاع الإقتصادية والمالية التي تزداد صعوبة وتراجعاً مخالفة التوقعات المتفائلة التي سادت مع بداية العهد الجديد وتشكيل حكومة جديدة.

  العقوبات الاميركية ومخاطرها …

لكن كل ذلك في مكان وثمّة خطر داهم واستحقاق آتٍ قريباً في مكان آخر، وهذا الاستحقاق لا يُعطى الإهتمام الذي يستحق ولا يجري استباقه بتدابير وإجراءات احترازية للحدّ من اضراره وانعكاساته السلبية على مجمل الوضع اللبناني.

هذا الإستحقاق الخطر يتعلّق بالعقوبات الأميركية التي تعدّ لها الإدارة الأميركية الجديدة ويتوقع ان تصدر عن الكونغرس عبر قانون جديد اكثر توسعاً وفي ظروف اقليمية اكثر تعقيداً.

فالمطروح اليوم اخطر بكثير مما سبقه لأن العقوبات لن تلامس حزب الله وبيئته «وكياناته» المالية فقط وانما سيمتد الى البيئات الداعمة والمتعاطفة اي حلفاء «حزب الله وحركة أمل» إضافة الى شخصيات ومؤسسات حليفة «لحزب الله».

كما سيتمّ فرض عقوبات على المؤسسات التي لها علاقة وتعاطي مع مؤسسات «حزب الله» الإنسانية والإجتماعية والتربوية والصحية. وسيتمّ الطلب الى المصارف اللبنانية رفع لوائح اسمية بكل الذين تدور شكوك واتهامات بشأنهم ولهم علاقة واتصالات مع «حزب الله».

وقد اصبح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في هذا الجو وقد حذر من خطورة هذه الخطوة خلال كلمته امام وفد مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان «التاسك فورس فور ليبانون» الذي زاره مؤخراً في القصر الجمهوري.

في الواقع ان هذه العقوبات المتسّعة دائرتها ترتّب اضراراً على اقتصاد لبنان وتشكّل خطراً على الإستقرار الداخلي والمالي وستكون اكثر تشدّداً ووطأة وستنعكس ايضاً على المصارف اللبنانية التي ستجد نفسها مضطرّة للتقيّد بها وهو ما سيؤثر سلباً على نشاطها وعلاقاتها مع المراسلين من المصارف وبالتالي فإن عدم تنفيذها سيعرضها ايضاً الى مشكلات مالية كبيرة وخطيرة.

وإزاء كل هذا الخطر الوشيك، تقع على الحكومة اللبنانية مسؤولية المبادرة الى تحرّك عاجل وبذل الجهود المركزة والمكثفة للتخفيف من هذه العقوبات قدر الإمكان اذا لم يكن بالإمكان ممارسة التأثير والضغط في اتجاه عدم إقرارها.

– المطلوب تعاطي جدي ومسؤول…

حتى الآن لم نلحظ تحرّكاً حكوميا ورسمياً يوازي ما نحن مقبلون عليه من اضرار وضغوط وعقوبات، ويكون في مستوى المرحلة والتحديات.

المطلوب ان تبادر الحكومة الى التعاطي بجدية ومسؤولية مع هذا الملف واتخاذ كل ما يلزم من قرارات وخطوات حتى الذهاب الى إعلان حال طوارئ مالية ومصرفية، ولا نبالغ اذا قلنا ذلك لأن الخطر حقيقي وفعلي ومن الممكن ان يصدر قانون العقوبات الأميركية بين يوم وآخر ابتداء من مطلع شهر آيار.

 دور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة…

الإجراء الأهم والذي لا يحتمل انتظاراً وتأخيراً هو التجديد لحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة وتكليفه مهمة معالجة تداعيات هذا الملف وحصر اضراره في اضيق رقعة ممكنة.

والتجديد لحاكم مصرف لبنان يجب ان يتم بسرعة ومن دون تردّد ليس فقط لأن رياض سلامة يتمتع بثقة مطلقة في لبنان وخارجه وعلى كل المستويات، وانما لأنه المسؤول الوحيد المؤهل للتعاطي مع هذه المسألة الصعبة والمعقدة وتحديد كيفية مقاربتها واحتواء تداعياتها السلبية نظراً لخبرته الطويلة في هذا المجال وعلاقاته الدولية.

حسناً فعل رياض سلامة بتشكيل خلية ازمة في مصرف لبنان لمناقشة تداعيات العقوبات الأميركية الجديدة ودرس سبل تحييد المصارف اللبنانية عن هذه العقوبات، خصوصاً وان المصارف في هذه المرحلة تعاني من ضغوط كثيرة وحملات مبرمجة وتحتاج كل دعم ومساندة لتمكينها من الصمود والبقاء دعامة للإقتصاد الوطني.

لكن الوضع يتطلّب سفر حاكم مصرف لبنان الى الولايات المتحدة وبسرعة لمتابعة الملف عن كثب وعقد اللقاءات وإجراء الإتصالات اللازمة مع كبار المسؤولين الأميركيين بهدف الحدّ من مساوئ واضرار العقوبات الأميركية ووضع إطار محدد لكيفية تطبيقها وإلتزام لبنان ومصارفه الموجبات والمعايير الدولية من دون تعريض امنه الداخلي واقتصاده ووضعه المالي والمصرفي للخطر.

ليس هناك الا رياض سلامه من يستطيع القيام بهذه المهمة العاجلة وإتمامها بنجاح بحكم ما راكمه من خبرات وتجارب غنية وما نسجه من علاقات مع المؤسسات المالية الأميركية والدولية.

 لا ابالغ هنا بالقول ان الحكومة بحاجة الى رياض سلامة وجهوده وخبراته، وان من واجب الدولة اللبنانية ان تحتضن وتشجّع المؤسسات الناجحة والمسؤولين الناجحين المتفوقين وان توفر لها كل الإمكانات والظروف المساعدة.

 طيران الشرق الاوسط…

وهنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد لنا من القول ان الامر لا يتعلق فقط بمصرف لبنان وانما بكل مؤسسة ناجحة ومنتجة وفي كل المجالات، فإذا كان دعم المؤسسات العسكرية والأمنية من باب تحصيل الحاصل، فإن دعم وتقدير مؤسسات مدنية ناجحة وعلى سبيل المثال لا الحصر، شركة طيران الشرق الأوسط هو الذي يجب ان يحصل عبر التجديد لمن كان سبباً وعاملاً في إنجاحها ونقلها من حال التدهور والإفلاس الى حال الربحية والصعود، ولمن كان سبباً في نجاحها عنيت به رئيس مجلس الإدارة الحالي محمد الحوت الذي اختاره حاكم مصرف لبنان رجلاً مناسباً في المكان المناسب وانتدبه لمهمة صعبة ادّاها بنجاح.

وما نراه بكل اسف انه بدلاً من التفرّغ للمؤسسات الفاشلة لإصلاحها وتصحيح مسارها، يجري التحوّل بإتجاه المؤسسات الناجحة والرابحة والتي لم ينخرها الفساد والبعيدة عن المداخلات السياسية لادخالها في نطاق المحاصصة والتجاذبات والمصالح الفئوية والصراع على السلطة.

آن الأوان لأن تتحرك الحكومة في الإتجاه الصحيح وتجتمع وتقرّر التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامه وتُعهد اليه مهمة التصدّي لمخاطر العقوبات الأميركية وحماية لبنان واقتصاده وقطاعه المصرفي ومؤسساته الناجحة وعلى رأسها شركة طيران الشرق الاوسط… فلتبادر وتقرّر قبل فوات الأوان .