Site icon IMLebanon

نقاش مفتوح مع «الحَاكم» رياض سلامة

 

حضرة الاستاذ رياض سلامه حاكم البنك المركزي يؤسفني أني لم أقتنع بكلامك أمس الاثنين 11 تشرين الثاني 2019 وانا كنت انتظر مطالعاتك في المؤتمر الصحفي الذي عقدته في البنك المركزي لتوضيح الأخطاء التي أرتكبت وشرح السياسات التي أتبعت كي نتلمس طريق الانقاذ لاقتصاد وطني فتكت به طبقة الواحد بالمئة واستنزفت موارده حتى الثمالة ولا زالت حتى اللحظة تنكر مسؤوليتها عن تدهور الأوضاع وتصر على المضي في نفس النهج الذي يتهافت اليوم أمام أعيننا جميعاّ.

 

في معرض دفاعكم عن كل القرارات التي اتخذتموها كنت ترجعون الى قانون النقد والتسليف او «قانون» العرض والطلب الذي يقرره السوق، وهذا التوجه كان صحيحاً بالنسبة للقرارات المتعلقة بالأمور والقضايا العادية أما فيما يعود للأمور والقضايا الكبرى التي تؤثر على المسيرة العامة أو مصلحة القطاع المصرفي فلنا رأي آخر وإن كنا نشارككم الرأي بأنه يجب ان يكون هذا القطاع قوياً ممتنعاً على الأختراقات كي يتمكن من القيام بدوره المركزي في حماية ونهوض الأقتصاد اللبناني.

 

ودعني هنا أفسر كلامي بوضوح.

 

أولاً: بالنسبة لعملية دمج المصارف – آواخر التسعينات وأوائل الألفية الثالثة – ينبغي القول أنها جرت عموماً تحت مظلة قانون دمج المصارف الذي أتاح لكم مساعدة المصارف «المتعثرة» وتشجيع المصارف المقتدرة على دمجها مقابل «تسهيلات» وليس «عطاءات» من طرف البنك المركزي … تلك التسهيلات التي بلغت كلفتها على المال العام حوالي مليار ونصف المليار دولار بسبب قيامكم بمنح الطرفين أموالاً طائلة بدون مقابل حقيقي لطرفي العملية أعني البنك المتعثر والبنك المقتدر فخرج الطرفان «راضيين» دون محاسبة الأول على تعثره عندما خرج على قانون النقد والتسليف وضارب وتلاعب بأموال المودعين وغامر في مشاريع خاسرة. وقد عوضتم له الخسارة التي كان على مجلس الادارة والمساهمين الكبار تحملها وأعطيتموه انتم Bonus دون ان تطلبوا منه ضمانات عينية أو أسهماً كالتي طلبها ملهمكم الرئيس الأميركي من البنوك والشركات المتعثرة في بلاد الاونكل سام عام 2008 و 2009 وقد تم كل ذلك تحت حجة الحفاظ على الاستقرار المصرفي مع أن هذا الاستقرار يفرض تطبيق القانون والإجراءات المصرفية المعتادة على كل من يخرج على الممارسة المصرفية السليمة، فشجعتم بهذا الإجراء أهل الجشع وأصحاب النفوس المريضة المتجذرة في نظامنا المصرفي على المضي في ممارساتهم الشاذة في المضاربة، والخروج على العمليات المصرفية التجارية، واستخدام الودائع في مجالات استثمارية بالضد من القانون، والخلط بين ادارة المصرف واموال المودعين الخ… وعلى هذا النحو أصبح أصحاب المصارف ضمن العلاقات «البيتية» يعملون ما يريدون دون وازع، أو رادع، وكأن القوانين موجودة لعالم آخر إلا في الحالات التي كان فيها السيد الأميركي – الساكت عن الفساد والعالم به  والمشجع له – يرفع السوط بوجه من يشتبه بعلاقته بالمقاومة او بجمهورها.

 

لقد كنتم دائماً تؤكدون ومعكم أصحاب المصارف على متانة وملاءة القطاع المصرفي وقدرته على التجاوب مع المتغيرات وخدمة المودعين في كل حين بدليل ميزانيات المصارف التي كانت تنشر في كل الصحف اللبنانية والتي كانت تشير الى أرباح لا تصدق تحققها تلك المصارف مقرونة بتصرفات بذخ وفوقية من قبل بعض أصحابها ومديريها الذين كانوا يتباهون بالثروات التي يكتنزونها ويصرفونها في سفراتهم ودعواتهم وحفلاتهم ويخوتهم وقصورهم حتى دخلنا في عهد الهندسات المالية التي أضطر لها هؤلاء بعد استثماراتهم الفاشلة لا سيما في مجالات الهاتف الخلوي، والعقارات، والسياحة، وسواها من الأعمال التي لا تدخل في نطاق العمل المصرفي البحت الذي يعتبر الوديعة أمانة لدى البنك وليس مبلغاً يمكن التصرف به على هوى المدير أو الكبير.

 

فإذا كان أحدهم – وانت تعرفهم جميعاً – قد خسر مئات ملايين الدولارات في الهاتف الخلوي او في استثماراته الفاشلة التي أمتدت من تركيا إلى السعودية إلى مصر إلى فرنسا إلى جنوب أفريقيا فأين هي مسؤولية المواطن اللبناني أو المؤسسات اللبنانية في التعويض عليه تحت هذا العنوان أو ذاك. فلو كانت تلك البنوك قد أتبعت الأصول المصرفية القانونية فلا مجال أطلاقاً لتعثرها وهذا ما أنت تعلمه ويعلمه كل مصرف حقيقي يحترم نفسه والقانون. ولو كانت تلك البنوك المتعثرة التي شملها قانون دمج المصارف قد أنقذت بطريقة علمية قانونية ونال أصحابها الحد الأدنى مما يستحقون من العقوبات – غير المرئية كرمى لعيون القطاع وأهله – لما تجرأ آخرون على التلاعب بمال الناس وفي قرارة نفسهم انهم اذا ربحوا فالربح عائد لهم وحدهم واذا خسروا فثمة « هندسات مالية» تهرع للتعويض عليهم.

 

مع ذلك قلت يا حضرة الحاكم في مؤتمرك الصحفي أن الهندسات المالية كانت مربحة بدليل أن البنك المركزي ربح وترسمل والمصارف ربحت وترسملت، وأن الدولة حصلت بدورها على 800 مليون دولار كضريبة على الأرباح التي حققتها المصارف من الهندسات المالية عام 2016. وهنا تقبل منا هذين السؤالين :

 

أولاً: اذا كانت المصارف قد دفعت 800 مليون دولار كضريبة على الأرباح فمعنى ذلك انها حققت أرباحاً فوق 5 مليار دولار لتدفع عليها هذه الضريبة. حسناً. ألسنا جميعاً بحاجة إلى توضيح كيف حصلت هذه المصارف على هذه الارباح الطائلة ومن أين وعبر أي عملية تجارية أو مصرفية سوى تقديمات البنك المركزي تحت عنوان ملتبس أسمه « الهندسات المالية.»

 

ثانياً: اذا كانت المصارف قد ربحت والدولة ربحت والمركزي ربح فمن هو الخاسر إذن، وكيف يمكن أن تأتي هذه الأموال الضخمة دون أن يكون أحد قد دفعها؟ فعلاً نحن بحاجة الى معرفة هذه العملية السحرية التي يربح فيها الكل فنستخدمها لإصلاح كل شيء.

 

وبعد كنا ننتظر من لجنة المال والموازنة النيابية ان تدرس هذا الملف معكم وتطلعنا على رأيها النهائي بصفتها مؤتمنة على مراقبة كل أوجه الإنفاق في البلد فضلاً عن الوارادت، لكن اللجنة كما سواها من مؤسسات أو هيئات الرقابة لم تجد ضرورة لمساءلة البنك المركزي لأنهم تعودوا أن البنك هو فوق المساءلة والمحاسبة.

 

وبناء على ما تقدم نصارحك القول اننا لم نقتنع بدفاعكم المستميت عن الهندسات المالية كما دمج المصارف من قبل، مع تأكيدنا ان هذه العمليات التي أستفاد منها كبار القوم وبغير وجه حق قد تحولت إلى كابوس على الوضع المالي والنقدي تدفع ثمنه البلاد وأهلها اليوم دون ان يبدر منكم وطبقة الواحد بالمئة أي بارقة ايجابية للتصحيح او الاعتراف بما أقترفت أيديكم كمقدمة لا بد منها لدفع ما يترتب عليكم جميعاً من أصول وفوائد – لخزينة البلاد التي صدقت يوماً أنها يمكن أن تسلم أمرها ومؤسساتها المختلفة «لإختصاصيين» دون ممارسة أي نوع من الرقابة القانونية عليهم.

 

و«للبحث صلة».