IMLebanon

لماذا رأس سلامة الآن؟

 

 

هناك من يقول إنّ الرئيس ميشال عون يبحث عن «إنجاز» سياسي عشية الانتخابات النيابية، مقابل من يقول انّ العهد يريد توتير المناخات السياسية للإطاحة بالانتخابات وما بعدها، فأيهما الأصحّ؟

يضع الرئيس عون كل ثقله السياسي للإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في خطوة يعتبر بأنّها الوحيدة في متناول يده، وتحقِّق له ثلاثة أهداف دفعة واحدة:

 

الهدف الأول، بأنّه إصلاحي، والحاكم يشكّل له عقبة أساسية أمام تحقيق برنامجه الإصلاحي، وهذا الجانب يشكّل المادة التي سيخوض على أساسها الانتخابات النيابية، خصوصاً انّه يدرك بأنّ شيطنة الحاكم أقنعت شريحة معينة من الناس بأنّ مسؤولية تبديد مدخراتها يتحمّلها الحاكم، فيما المسؤولية الأساسية سياسية بامتياز، ومردّها للفريق الذي يخطف الدولة والفريق الذي يغطي الخاطف، ومن دون التقليل إطلاقاً من مسؤولية الحاكم والقطاع المصرفي، ولكن لا يجوز ان تقتصر المسؤولية على جانب أوحد من دون الجوانب الأساسية الأخرى.

 

الهدف الثاني، بأنّه ما زال «العهد القوي» القادر على التغيير والتأثير والمواجهة، وانّ تغيير الحاكم شكّل هدفاً من أهدافه، وانّ على الناس ان تثق بقدرته ولو بعد حين، وانّ هناك خطوات أخرى تدخل ضمن أهدافه، وبالتالي يجب إعادة تفويضه نيابياً ورئاسياً لتحقيقها.

 

الهدف الثالث، الإتيان بحاكم جديد لولاية جديدة تمكِّنه من التحكّم بالقرار المالي والنقدي في مرحلة مالية بامتياز، تبدأ بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولا تنتهي بتسجيل نقاط سياسية في حال تحسّن الوضع المالي، وأن يكون ممسكاً بهذا القرار بعد خروجه من القصر الجمهوري من خلال موقع يتيح له التحكُّم بالمرحلة المالية المقبلة.

 

ولا يُخفى على أحد، انّ العهد في أزمة مثلثة: الإنهيار حصل في عهده والناس ناقمة عليه، الأفق السياسي مقفل ويفتقد إلى المخارج التي تمنحه فرصة الخروج من القصر الجمهوري بوضع مماثل للوضع الذي دخل فيه إلى القصر، وهو على خلاف سياسي مع كل القوى السياسية باستثناء «حزب الله»، بفعل المصلحة المتبادلة التي تجمعهما. ولكن هذا المعطى غير كافٍ لأن يواجه العهد المرحلة وتحدّياتها. وبالتالي، لهذه الأسباب مجتمعة وغيرها، بحاجة إلى مادة يستطيع من خلالها حرف الأنظار عن مأزقه السياسي عن طريق فتح المواجهات التي اعتاد عليها، وبما انّ المواجهات السياسية لم تعد تفعل فعلها بالتعبئة، كونها قديمة ومعروفة، فإنّ المواجهة مع الحاكم تشكّل البديل الذي يستعيض عنه لخوض معركته النيابية.

 

وفي حال نجح في «قبع» الحاكم في الوقت الذي فشل فيه «حزب الله» في «قبع» القاضي طارق البيطار، يكون قد حقّق، بنظره، نقطة مهمّة في التجييش الانتخابي وإطلاق وعود جديدة بخطوات أخرى، وفي حال لم يتمكن من تحقيق هدفه يقول «ما خلوني»، وبالتالي في الحالتين يعتبر بأنّه في وضعية «Win-Win» ولا يوجد ما يخسره.

 

ولكن، الأكيد انّ المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية أولاً والانتخابات الرئاسية ثانياً ستكون مليئة بالمفاجآت والتطورات، لأنّ هذا الفريق لا يمكن ان يخوض الانتخابات على البارد، إنما يجب توقُّع إقدامه على اي شيء بسبب خشيته الكبرى من خسارة الانتخابات، وقلقه الواسع من مغادرة القصر الجمهوري على وقع انهيار مالي وغضب شعبي ومقاطعة سياسية له ولفريقه.

 

ويدرك فريق العهد، انّه لا يستطيع ان يفكّ الطوق السياسي والشعبي سوى من خلال محاولة قلب الطاولة بالحدّ الأقصى، والذهاب إلى مواجهة مفتوحة بالحدّ الأدنى، خصوصاً مع إدراكه انّ هذا النوع من المواجهات يؤدي إلى إلهاء الناس وحرف اهتمامها عن أزماتها المعيشية. ولكن ما المدى الذي يمكن ان يبلغه في مواجهات لا يستند فيها سوى إلى «حزب الله» وتفتقد إلى الدعم السياسي والحاضنة الشعبية؟

 

من الصعوبة بمكان توقُّع تحقيق العهد لأي خطوة عملية باستثناء التوتير السياسي، لأنّ لبنان لا يُدار سوى بالتوافق أو بالأمر الواقع، وبالتوافق لا يستطيع ان «يقبع» حاكم مصرف لبنان في الأشهر الأخيرة لولايته وفي ظل عدم اتفاق على البديل، كما رفض القوى السياسية على اختلافها منحه فرصة تسمية هذا البديل، وأما حدود الأمر الواقع فتتراوح بين دور «حزب الله» وسلاحه، وبين الفراغ الدستوري ورفضه الخروج من القصر الجمهوري قبل تحقيق مشروعه السياسي في الترسيم والتدقيق واللامركزية المالية، ما يعني التلطّي خلف هذه العناوين تبريراً لخطوة غير دستورية في حال حصولها.

 

وعلى رغم تأكيد العهد و»حزب الله» إصرارهما على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، إلّا انّ ثمة تساؤلات لا بدّ منها: هل من يريد الانتخابات يفتح معركة «قبع» الحاكم ولا ينتظر الانتخابات وما يمكن ان تفرزه والمرحلة الجديدة التي ستعقبها والحكومة الجديدة؟ وهل من يريد الانتخابات يفتح مواجهة مع قوى الأمن الداخلي بشخص مديرها العام؟ وهل من يريد الانتخابات يشن هجوماً على الجيش اللبناني؟ وهل من يريد انتخابات يتحدّى وزارة الداخلية بعقد ندوة أعلنت الوزارة رفض انعقادها؟ وهل من يريد انتخابات يعلن بأنّه «باتت لديه القدرة على تحويل آلاف الصواريخ التي يملكها إلى صواريخ دقيقة»، وانّه «يقوم بتصنيع طائرات مسيّرة في لبنان ومستعد لبيعها لمن يريد أن يشتري»؟

 

فصحيح انّ المادة الانتخابية هي مادة ساخنة وملتهبة أساساً، وكيف بالحري على وقع الانقسام الكبير والخلاف الأكبر والانهيار الحاصل؟ ولكن الانقسام السياسي شيء، والإقدام على خطوات عملية شيء مختلف تماماً، ومن يُقدم على خطوات من هذا القبيل يريد جرّ البلاد عن سابق تصور وتصميم إلى مواجهة من أجل إما الإطاحة بالانتخابات، وإما فرض أمر واقع معيّن.

 

فهل من عاقل يمكن ان يصدِّق انّ تغيير حاكم مصرف لبنان قبل الانتخابات بشهرين سينقل لبنان من الانهيار إلى الازدهار؟ وهل من ثقة أساساً بالفريق السياسي الذي يريد تغيير الحاكم؟ ولماذا استباق الانتخابات النيابية وولادة أكثرية جديدة تتولّى التغيير في الرئاسات وموقع حاكم مصرف لبنان بالتأكيد؟ وألا يدرك الفريق الذي فتح المواجهة مع قيادة قوى الأمن الداخلي، انّ هذه المواجهة ستتخذ بعداً طائفياً؟ وهل كان مضطراً «حزب الله» إلى تحدّي إرادة الدولة والكلام عن صواريخ دقيقة وتصنيع مسيّرات، لولا إرادته بإرسال رسالة لمن يهمّه الأمر في لبنان وفيينا وواشنطن والرياض، انّه بانتخابات او من دونها لا مساس بسلاحه وسلطته ودوره ونفوذه؟

 

فالفريق الحاكم مأزوم في حالتي إجراء الانتخابات أو عدمها، وعلى رغم قدرته على تعطيل نتائج هذه الانتخابات، إلّا انّه غير مضطر على الظهور بمظهر المتراجع شعبياً، كما انّه لا يستطيع توقُّع ردة فعل الناس والمجتمع الدولي على تأجيل الانتخابات، فيما بانتخابات او من دونها لا يستطيع إخراج البلد من أزمته المالية، ولم يعد اي فريق سياسي أساساً في وارد مدّ اليد له والتعايش معه، ما يعني انّ خياره الوحيد الانتظار او قلب الطاولة، وهذا الانتظار يحصل على وقع انهيار في الداخل ومفاوضات نووية في الخارج وإصرار بكركي عل عقد مؤتمر دولي لاستكمال تطبيق اتفاق الطائف وتنفيذ القرارات الدولية، ووصول الجميع إلى قناعة بأنّ الخروج من الأزمة يستدعي «اتفاق دوحة» بالحدّ الأدنى، او «اتفاق طائف» بالحدّ الأقصى، لأنّ الجمهورية وصلت إلى الحائط المسدود ولم يعد بالإمكان الذهاب إلى تسوية على غرار التسوية الرئاسية، وفي سياق كل هذه الصورة هناك من يدفع عمداً إلى تقريب موعد رحيل الجمهورية تجنّباً لرحيله قبل رحيلها، وفي محاولة لربط نزاع مع الجمهورية الجديدة.