وسط التجاذبات السياسية حول قانون الإنتخابات وزحمة الملفات والإستحقاقات المالية المتدافعة وفي مقدمها الموازنة العامة وسلسلة الرتب والرواتب وخطة الكهرباء … كان لا بدّ من التوقف عند حملة مشبوهة التوقيت والأهداف شُنّت ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وضدّ القطاع المصرفي.
– سلامة والقطاع المصرفي …
هذه الحملة المزدوجة أخفقت في النيل من سمعة حاكم مصرف لبنان رياض سلامه وسياساته وهندساته المالية كما انها فشلت من ضرب القطاع المصرفي، لا بل انها انتهت الى الفشل الذريع.
لا يمكن لأي حملة ان تأخذ مداها بين القطاع المصرفي والرأي العام اللبناني الذي يعرف حق المعرفة مدى اهمية ودور هذا القطاع الذي يمثل سرّ صمود الإقتصاد اللبناني في احلك الظروف واشدّ الأزمات، هذا الرأي العام الذي لا يجاري الحملات الهادفة الى النيل من القطاع المصرفي الخاضع تماماً لرقابة مصرف لبنان والملتزم كل القوانين والمعايير المحلية والدولية.
– إحصاءات وزارة المالية…
واستناداً الى إحصاءات وزارة المالية عن العام 2015 فإن المصارف سدّدت وحدها ما يعادل 49% من الضرائب الإجمالية على الأرباح التي جبتها الدولة من عموم الشركات والمؤسسات العاملة فيما ارباحها لا تمثّل اكثر من 15% من الأرباح الإجمالية لهذه المؤسسات والشركات.
اما ما قيل عن ارباح كبيرة ومداخيل استثنائية للمصارف من جراء الهندسة المالية فإنه كلام «تحريضي» ويجافي الواقع الذي يفيد ان الهندسة المالية التي اتبعها مصرف لبنان انعشت ميزانيات المصارف وعززت رسملة المصارف لإستقطاب ودائع اكثر مستقبلاً.
وهذا الواقع يفيد ايضاً ان مصرف لبنان ألزم المصارف ان تدرج في «المؤونات» ارباحها من عمليات المقايضة التي جرت ضمن إطار الهندسات المالية الأخيرة. وستسدد المصارف في ايار المقبل ضرائب على الأرباح التي جنتها من هذه العمليات بمبلغ يصل الى 850 مليون دولار بما يعني ان تكلفة سلسلة الرتب والرواتب مؤمنة للدولة من المصارف لوحدها.
– حملات «التحامل» على رياض سلامه
اما الإنتقادات التي سيقت ضد الهندسة المالية لمصرف لبنان، وحملات «التجنّي والتحامل» على رياض سلامه فإنها لم تصمد طويلاً وانما سقطت سريعاً وانكشفت الجهات والغايات الواقفة وراءها، بعضها يريد إلحاق الأذى بالعهد من خلال الإساءة بالإستقرار الإقتصادي والمالي والنقدي والإجتماعي، والبعض الآخر من اجل مصالح شخصية وخاصة على قاعدة « قوم تقعد مطرحك»، كون هؤلاء المنفصلون عن الواقع، ما هم الا حفنة من اللاهثين وراء مكاسب ومناصب.
– سلامه ليس حاكم المصرف المركزي السويسري…
ألا يعرف هؤلاء المنفصلون عن الواقع من «محللين وخبراء ومنظرين ماليين» ان رياض سلامه ليس حاكم المصرف المركزي السويسري، وانما هو حاكم المصرف المركزي اللبناني، وكل سياساته وهندساته المالية مبنية على الواقع اللبناني السياسي الدقيق والصعب والمعقّد، دون ان ننسى الفساد المستشري في الدولة واداراتها باعتراف الجميع…
الا يعرف هؤلاء اننا نعيش في وطن بائس وان سياسات بعض من يتعاطى الشان العام هي من اجبرت رياض سلامة على القيام بالهندسة المالية وان رياض سلامة هو من «يمسح اساءتهم وفسادهم ويحاول ان يحد من مساوئهم وارتدادتها على الوطن؟.
الا يخجل هؤلاء من انفسهم وافعالهم بعدما عاثوا في الارض والدولة والمجتمع فساداً وتخريباً وسرقة وهدراً للمال العام وامعنوا في تقويض المؤسسات؟ وبدل ان يخجلوا ويستتروا ارادوا الإنقضاض على أخر المؤسسات والقطاعات الناجحة والمنتجة في البلد ومصادرة القرار فيها وتحوير وجهتها الصحيحة.
لكن الردّ البليغ والسريع والحازم جاء من ثلاث جهات ومستويات مرة واحدة:
1- من اركان الحكم والقرار، وفي مقدمهم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري وكلهم متفقون ومتوافقون على بقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامه في موقعه ودوره وعلى ان وجوده واستمراره يشكلان ضرورة وحاجة مالية واقتصادية ووطنية، وفي هذا المجال تحديدآ فان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان اجرى في الفترة الأخيرة أكثر من لقاء مع رياض سلامه ليستمع منه عن قرب على الاحوال النقدية والمالية، وكل هذه اللقاءات اتّسمت بالتقدير والإحترام والإنسجام في الرؤية والرأي، ورئيس الحكومة سعد الحريري قال كلمته وهو في الطريق الى القمّة العربية مع رئيس البلاد عندما اعلن ان رياض سلامة ضمانة وبقاءه على رأس مصرف لبنان ضرورة وحاجة في هذا الظرف الدقيق والخطير…
2- من الرأي العام اللبناني الذي هاله ان يُفتح ملف تغيير حاكم مصرف لبنان في هذا الظرف الحسّاس والوضع المالي الضاغط بالتحديات والمخاطر، وان يكون هناك من يمسّ بسمعة ومكانة رياض سلامه، لقد نجح هذا الرجل في جعل القطاع المصرفي افضل القطاعات الفاعلة والمنتجة في لبنان، ولأن يصبح ركيزة الإقتصاد الوطني وعموده الفقري، كما نجح في انه حافظ على الإستقرار النقدي والمالي وعلى ثبات الليرة في عزّ الأزمات المالية الدولية والإهتزازات الداخلية وفي مقدمها حرب تموز واستشهاد رئيس حكومة لبنان الشهيد رفيق الحريري…
3- من الهيئات والقطاعات الإقتصادية كافة التي عبّرت تكراراً عن اهمية وضرورة التمسّك بالثبات النقدي في لبنان والمحافظة على استقراره الإقتصادي واستمرار الثقة بالقطاع المصرفي، الامر الذي يحتّم المحافظة على القيّمين على المؤسسات المالية والنقدية، وخصوصاً وتحديداً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وذهبت الهيئات الإقتصادية بعيداً في التنويه بالسياسة الحكيمة التي انتهجها مصرف لبنان والتي امنت الإستقرار المالي والنقدي على مدى السنوات الماضية على الرغم من الظروف السياسية والأمنية التي مرّ بها لبنان، كما ذهبت بعيداً في التنبيه من خطورة المسّ بحاكم مصرف لبنان والإساءة الى الوضع اللبناني المالي.
في الواقع اقول للمتطاولين على الاوادم في هذا البلد قُضي الأمر وحسم فخامة الرئيس القرار… رياض سلامه باقٍ وهو في صلب خطة الإنقاذ المالية والإقتصادية ومحور اساس فيها وبقاؤه ضرورة لانجاح العهد على الصعيد المالي والنقدي.