يمر لبنان في أخطر واصعب مرحلة من تاريخه وهذا ما جعل معظم اللبنانيين ومن مختلف الطوائف والمناطق ينتابهم الخوف على المستقبل والمصير ويعيشون القلق من تطورات آتية ومن مرحلة صعبة وغامضة تدق الباب اللبناني، لكن في ظل هذه الأجواء التشاؤمية يرى اللبنانيون بعض الايجابيات من خلال عمل بعض المؤسسات التي لا تزال تمثل ضمانة وطنية (مؤسسة الجيش اللبناني – ومصرف لبنان) ومن خلال عمل بعض الذين يتولون المسؤولية وهم لا يزالون يشكلون اجماعاً لبنانياً في زمن الاصطفافات والانقسامات حتى داخل البيت الواحد، كونهم يضعون المصلحة الوطنية العليا فوق كل المصالح الطائفية والحزبية والفئوية والخاصة والشخصية، وهم بذلك يضيئون شمعة أمل في هذه الظلمة اللبنانية الدامسة.
رياض سلامة حاكم مصرف لبنان واحد من هؤلاء الاشخاص القلائل الذين يتمتعون بثقة واجماع اغلبية اللبنانيين كونه لا يساوم على مصلحة النقد وكل ما يمس بالاستقرار النقدي والمالي والمصرفي في لبنان، ولا «يساير» عندما تكون مصلحة البلاد والعباد على بساط البحث.
في العام 1993 اختار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدكتور رياض سلامة وعيّنه حاكماً للمصرف المركزي، وكانت أولى مهماته وأكثرها تحدياً هي تأمين استقرار العملة الوطنية، وتنقية القطاع المصرفي في إطار مشروع الاصلاح المصرفي.
ومنذ ذلك اليوم نأى حاكم المصرف المركزي بنفسه وبمصرف لبنان عن الخلافات والتجاذبات السياسية وبقي همه الأول والأخير المحافظة على الاستقرار النقدي في لبنان والحفاظ على مدخرات اللبنانيين واموالهم، من هنا جاءت عهود وتعاقبت حكومات وظل ثابتاً في موقعه، حتى غدا هذا الرجل مطلباً شعبياً وسياسيآ وأحد أهم نقاط التلاقي بين اللبنانيين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم وميولهم السياسية، كما تحول مصرف لبنان بفضل إدارته المالية الى مؤسسة وطنية بامتياز، وهي تشكل اليوم منارة للبنان ومرساة لاستقراره المالي. واصبح رياض سلامة صمام الأمان النقدي في لبنان وذلك بشهادة أكبر المؤسسات المالية والمصرفية في العالم.
وفي هذا المجال قال رئيس البنك الدولي ذات يوم وكانت الازمة المالية تجتاح العالم: ان رياض سلامة هو صاحب الهندسات المبتكرة التي حمت لبنان من السقوط المالي والنقدي والاقتصادي في وقت تهز الكوارث المالية العالم وتطال بارتداداتها بلداناً عظمى واقتصادات كبرى، واضاف: انه العين الساهرة على الاستقرار المالي والمحافظ على ثروة لبنان واللبنانيين وأصحاب الدخل المحدود، المقيمين وغير المقيمين، وانه وبفضل ادائه الحكيم استطاع المحافظة على الثقة الداخلية والخارجية بالقطاع المصرفي اللبناني، واردف قائلآ: فهنيئاً للبنان ولشعبه بهذا الرجل المميز.
اردت هذه المقدمة للقول ان بعض الثرثرات والسخافات التي يطلقها بعض خفافيش الليل من اصحاب المصالح الخاصة للتشويش على اسم رياض سلامة وعلى تاريخه الناصع والمشرف لن تقدم او تؤخر في مسيرته وانجازاته وثقة اللبنانيين كل اللبنانيين به، وان هذه الاساليب الرخيصة لا تفعل فعلها مع رياض سلامة ولا تؤثر فيه بل تزيده صلابة وحصانة واستشراساً في الدفاع عن القطاع المصرفي ومصالح اللبنانيين والحفاظ على مدخراتهم وفي مكافحة عمليات تبييض الاموال حفاظاً على الاستقرار النقدي والمالي في البلاد في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة والحساسة والخطرة التي تمر بها المنطقة.
ان القاصي والداني يعرفان ان القطاع المصرفي يستمد جزءاً كبيراً من قوته وصلابته من الانظمة التي وضعها رياض سلامة فهذا التعاون الدائم بين المصرف المركزي والقطاع المصرفي انتج قطاعاً مصرفياً متيناً يتمتع بهيكلية متوازنة، ويرتكز على قاعدة موارد مالية متنوعة ومتينة إضافة إلى المواد البشرية الكفوءة.
كما ان القطاع المصرفي اللبناني لم يعرف استقراراً حقيقياً إلا منذ تسلم رياض سلامة الحاكمية التي حصنها بحكمته، ونجح خلال وجوده في موقعه في تكريس نموذج خاص للسلطة النقدية، يجمع بين خصوصيات لبنان واقتصاده وبين الالتزام الصارم بالمعايير والمواصفات الدولية والتحديث والتطوير المؤسساتي والبشري. وهذا ما استحق تكريمه ومنحه العديد من الجوائز محلياً واقليمياً ودولياً واختياره افضل حاكم مصرف مركزي في العالم.
اسم رياض سلامة اصبح مرادفاً للنجاح حتى الشركات التابعة للمصرف المركزي اللبناني (طيران الشرق الاوسط – وشركة انترا للاستثمار وغيرهما) انقذها سلامة قبل سنوات من افلاس حتمي وانقذ الآف الموظفين العاملين فيها من صرف جماعي، وذلك منذ ان اشرف عليها وعيّن مسؤولين عنها يتمتعون بالكفاءة والنزاهة.
فقد عيَّن رياض سلامة رئيس قسم الموجودات المالية والعقارية في مصرف لبنان محمد الحوت رئيسا لمجلس ادارة شركة طيران الشرق الاوسط في عام 1998. فوضع الحوت مخططاً لاخراج الشركة من عتمة الخسائر الى نور الارباح. كما شمل المخطط اعادة هيكلة الشركة، وخفض عدد العاملين فيها واغلاق جميع مزاريب النفقات والهدر، كم قام ايضاً باقفال الخطوط والمحطات غير الرابحة، واستطاع ضمّ الـ «ميدل ايست» الى أحد اكبر التحالفات الثلاثة في العالم وهو تحالف «سكاي تيم» الذي يضم 17 شركة طيران عالمية، كما سيتم قريباً افتتاح الجزء الاول من أكاديمية الشرق الاوسط للطيران في آذار 2015، والمتعلق بتدريب الطيارين والمضيفين، على ان يستكمل افتتاح هذه الأكاديمية بشكل تام مطلع 2016، وهذا الأمر يعطي مؤشراً إلى ان دور الشركة لا يقتصر على تحقيق الارباح والنهوض بالشركة الوطنية فحسب، وانما يتعدّاه الى إعادة دور بيروت كمركز إقليمي في الشرق الاوسط.
اما شركة انترا للاستثمار التي يرأس مجلس ادارتها الدكتور محمد شعيب فقد نجحت ايضاً وخلال السنوات الماضية في اطفاء كامل الديون المتراكمة واقفال ملف الخسائر وتحولت هذه الشركة من شركة خاسرة الى شركة رابحة وباتت موجودات الشركة تقدر اليوم بأكثر من مليار ونصف المليار دولار اميركي، وذلك بفضل نزاهة واستقامة وشفافية محمد شعيب الذي يحظى بثقة ودعم مطلقين من حاكم مصرف لبنان.
وهذا ما جعل شركة انترا تحتل مرتبة متقدمة على لائحة الشركات الاكثر ثباتا وشفافية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وذلك بحسب ما افادت به المجموعة الدولية لمراقبة اداء الشركات في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
ان هذا النجاح الكبير لم يكن ليحصل لولا اشراف رياض سلامة ولولا مساعدته لهاتين الشركتين والقيمين عليها ودعمه المطلق لهما في ظل اوضاع اقتصادية ومالية واستثمارية وسياسية مأزومة في البلاد .
لم يقتصر الامر عند هذا الحد بل تعداه الى ما هو اشمل من ادارة الشأن النقدي في البلاد والمحافظة على مؤسسات وشركات وطنية ، ففي كل مرة اختلفت الهيئات الاقتصادية وأرباب العمل مع الهيئات العمالية والنقابية حول قضايا تتعلق بسلسلة الرواتب والاجور كان ايضاً لرياض سلامة الرأي الراجح والمرجح في هذا المجال.
في الخلاصة رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان هو مطلباً لبنانياً عاماً، كون وجوده على رأس المصرف المركزي يبعث على الراحة والاطمئنان في هذه الظروف الدقيقة والحساسة عند الهيئات الاقتصادية والمصرفية والمالية وحتى عند المواطنين العاديين، والبرهان انه نادراً ما كان حكم اللبنانين على مسؤول في الدولة مجرداً من الاعتبارات السياسية والطائفية ومحصوراً في اعتبارات النجاح والكفاءة والمصلحة الوطنية العليا كما هي الحال مع رياض سلامة. ونادراً ما استمر مسؤول في مركز متقدم وحساس لسنوات من دون ان يلقى ادنى اعتراص أو احتجاج. ونادراً ما كان «التمديد» مطلباً عاماً وضرورة وحاجة وطنية عند شعب يحب التغيير والديموقراطية مثلما حصل ويحصل مع رياض سلامة.
ان الانجازات التي تم تحقيقها عبر نصف قرن من الزمن تزيد من حجم التحدي المقبل. من هنا فنحن مسؤولون عن حماية هذا السجل الحافل بالنجاح المالي والنقدي وعدم تبديد ما تم تحقيقه بسخافات وثرثرات أصبحت معروفة الهدف والمصدر.