داخلَ كواليس جهاتٍ متابعة للتطوّر الراهن في لبنان، هناك ضبابٌ كثيف يكتنف الرؤية في شأن سؤال: مَن هو الحراك الشعبي؟! هل هو فقط تعبير عن وجع الناس الذي لا يجادل أحد في أحقّيته؟ أم أنّه، إلى ذلك، يوجد أيضاً مَن تَسَلّل إلى هذا الوجع ليُراكِمَ عليه مشروع «ربيع لبنان» على غفلةٍ مِن كلّ التوقّعات.
التحليل السائد داخل هذه الكواليس يلحظ تشابهاً الى حدِّ التطابق الكلي (فوتوكوبي) بين حراك 22 آب 2015 الشعبي في لبنان وحراك 22 كانون الثاني 2011 في مصر.
فقط الأسماء تغيّرت، فيما الرموز والأدوار والتكتيكات هي ذاتها ومنسوخة على نحوٍ يَشي بأنّ واضع سيناريو حراك ساحة رياض الصلح، هو ذاته مَن وضع سيناريو حراك ميدان التحرير في مصر:
– نجاح واكيم في حراك لبنان يقابله في ميزاته داخل الحراك المصري جورج اسحق، الشخصية السياسية المتّسمة بأنّها تريد هدم النظام من جهة، وأنها من جهة ثانية شخصية ليس لها ايّ ارتباط مع الخارج.
– الناشط عماد بزي داخل «طلعت ريحتكم»، يقابله في الحراك المصري وائل غنيم المتدرّب في الولايات المتحدة الاميركية على تقنيات إدارة انتفاضات المجتمع المدني وتجييشه عبر تنظيم حملات أهلية شبابية وحملات التواصل الاجتماعي.
– نعمت بدر الدين في حراك لبنان يقابلها «اسماء محفوظ» التي خرجت إلى الكاميرات فجأة من بعد حياة عامة مغمورة.
– الصحافية المصرية اسراء عفت يقابلها المحامية اللبنانية ريما غيث.
ليست فقط رمزية أدوار الاسماء هي التي تشابهت على نحو «فوتوكوبي» في حراكَي مصر ولبنان، بل حتى تكتيكات منظمي الحراكَين، تبدو مقتبَسة الى حدّ الاستنساخ الكلي: مهلة الـ72 ساعة التي منحتها «طلعت ريحتكم» للحكومة لتلبية مطالبها الثلاثة والتي بدت مستغرَبة نظراً لقصر فترتها، يقابلها المهلة الشهيرة في الحراك المصري المعروفة بمهلة 25 -28 كانون الثاني والتي بموجبها أمهَل المحتجّون الحكومة المصرية 72 ساعة لتلبية مطالبهم.
ويمتدّ التشابه ليطاول أصل نشأة الحراكين اللذين اندلعا بفعل سبب مباشر «قسم ظهر البعير». ففي لبنان شكلت أزمة النفايات السبب المباشر لاندلاعه، وكان لظهور موقع «طلعت ريحتكم» الإلكتروني، دور مهمّ في فتح جبهة المجال السيبرنيتي (التوتير والفايسبوك والهواتف المحمولة وكلّ وسائل التواصل الاجتماعي الاخرى) في وجه الحكومة.
وفي مصر شكلت قضية مقتل المتظاهر خالد سعيد على ايدي الامن المصري، السبب المباشر الذي ألهب جذوة الحراك الشعبي، فيما ظهور الموقع الالكتروني «كلنا خالد سعيد» نجح في تجنيد سلاح التواصل الالكتروني لمصلحته.
هناك أيضاً وأيضاً تتمّة للتشابه على مستوى محاولات قوى سياسية «ركوب» موجة الحراك الشعبي. وفي حين أنّ حزب «الوفد» يرمز لهذا الدور في مصر، فإنّ «التيار الوطني الحر» يرمز له في لبنان. يٌكرّر اليوم العونيون بمناسبة الحراك اللبناني، ما فعله حزب «الوفد» حينما التحق بميدان التحرير معتبراً أنّه يحمل شعارات المحتجّين نفسها، بل إنه سابق لهم في طرحها.
والتشابه الفوتوكوبي بين حراك «يناير» المصري وحراك «آب» اللبناني، له تتمة فوق ضفة اللعبة الخفية في أحداث ميدان التحرير هناك وأحداث رياض الصلح هنا. وهذه المرة، يتم رصد الشبه من خلال معلومات لم تُعلَن بعد، تتحدّث عن وجود قوى منظمة على وزن الأخوان، تستعدّ لتنفيذ خطة سرقة حراك رياض الصلح وساحات أخرى، في اللحظة المناسبة، وذلك على نحوٍ يُكرّر ما فعله «اخوان مصر» في ميدان التحرير ودمياط الخ…
خلال تظاهرة السبت الماضي، تمّ رصد حراك مستتر لحزب إسلامي داخل اعتصام ساحتَي الشهداء ورياض الصلح. ربما ما حصل كان مجرّد دورية استطلاع من هذا الحزب، لجسّ نبض النزول الى الساحة لاحقاً، ونقل تجربة أترابهم في ميدان التحرير في مصر الى ساحة رياض الصلح في لبنان، ولكن، طبعاً، مع لحظ الفوارق بين الساحتين وخصوصيات البلدين.
يسود توقّع واثق منذ الآن أنه كما حصل لحزب «الوفد»، فإنّ «التيار الوطني الحر» لن ينجَح في ركوب موجة الحراك الشعبي اللبناني لتجديد شبابه، والسير تحت يافطاته لحلّ أزماته داخل نظام المحاصَصة… ولكن ماذا عن الاسلاميين الذين هم خارج السلطة. هذا السؤال مطروح جدِّياً كسيناريو محتَمَل الحصول في ايام الحراك المقبلة. والجهة المقصودة بهذا السؤال هم «السلفيون غير الجهاديين».
والسؤال هل سيحاكون سيناريو أخوان مصر، فينزلون الى ساحات الحراك اللبناني خصوصاً في طرابلس وعكار وحتى بيروت، بوصفهم شرعيين فيه، وذلك انطلاقاً من أنهم – أولاً – لم يكونوا يوماً جزءاً من السلطة لا في حكوماتها ولا في برلمانها عكس «الجماعة الاسلامية»؛ ولأنّهم – ثانياً- أصحاب مصلحة بالتغيير لأنه ينصفهم من طبقة سياسية سجنتهم ونفتهم وممارساتها مسؤولة عن جعل الساحة الاسلامية تذهب للتطرّف على حساب المعتدلين.
وتلخّص مصادر رزينة ومطّلعة على هذا النوع من الحراك الذي يسود لبنان راهناً الى مجموعة استنتاجات مبكرة حيالَ الحراك والمسار المتوقّع أن يسلكه:
– أولى هذه الملاحظات تقول إنّ حراك ساحة رياض الصلح يبدو نسخة مطابقة جداً للمرحلة الاولى من الثورة المصرية حينما كانت فعالياتها مقتصرة على احتجاجات اليسار والمجتمع المدني في ميدان التحرير وتحت شعارات مطلَبية متدحرجة في اتجاه تبلور شعار اسقاط النظام.
– ثاني هذه الملاحظات يُحذّر من أنه يمكن القول بكثير من الثقة إنّ الحراك اللبناني فيه الكثير من بدايات الحراك المصري، ولكن ما ينقصه هو أنّ ثورة «22 يوليو» المصرية أنقذتها من السرقة والانحراف ثورة «30 يونيو» التي أثبتت حضور المؤسسات العريقة للدولة المصرية العميقة.
أما في لبنان فليس مضموناً فيما لو سرق حراكه او انزلق الى الفوضى، أن يكون هناك جهة مسؤولة تنقذه، على رغم أنّ الجيش اللبناني قد يكون هو الجهة المرشَحة لهذه المهمة إذا احتاجها البلد.