لا يختلف ريفي اليوم عن داعي الإسلام الشهال وبلال دقماق وزياد علوكي وأصدقائه الآخرين
ماذا لو بادر اللواء عباس ابراهيم، مثلاًً، إلى إحاطة نفسه ببعض شباب الشياح، لإسماعهم أمام الإعلام ما يحلمون بسماعه من تحريض مذهبي ووضع قدرات المؤسسة التي يشغلها بتصرف هذا الخطاب؟ هذا هو تماماً ما يفعله وزير العدل أشرف ريفي منذ سنوات عدة
لا تغطي صور النائب سمير الجسر واجهات الأبنية في طرابلس، ولا تطبّل له لافتات أبناء البلد وتزمّر، فيما يلتزم هو الظهور بمظهر المشرع الثابت في مواقفه السياسية دون مبالاة بزعران الأحياء والعصبيات المتفلتة. ومع ذلك، لا تلتقي ناشطاً شمالياً جدياً في تيار المستقبل إلا ويعلمك أن حفيد الشيخ محمد الجسر هو الثابت الوحيد في متغيرات المستقبل الكثيرة في مدينة طرابلس. لا يُرَد لوزير العدل السابق طلب تنظيميّ، ولا يقترب أحد من مقعده النيابي عند التسلي بتوزيع مقاعد المدينة النيابية السنية الخمسة على مرشحي المستقبل المحتملين السبعة. ومن حجر زاوية المستقبل إلى أساسات سياسية أخرى في المدينة التي أعطت الرئيس عمر كرامي في انتخابات 2009 (بعد أحداث 7 أيار وكل التعبئة المستقبلية المذهبية) 30313 صوتاً، رغم ترشحه في مواجهة حلف الحريري – ميقاتي – الصفدي – الجماعة الإسلامية: لا تزال ماكينة الوزير السابق محمد الصفدي الانتخابية هي الجهاز الانتخابي الأول في المدينة، ولا يزال إقصاء الرئيس نجيب ميقاتي نيابياً شبه مستحيل، بحسب مصادر المستقبل قبل غيرهم.
تحتفظ زعامات المدينة، سواء السياسية التقليدية أو المليارديرية، بنفوذها فيها، من دون أن تتأثر بمواقفها السياسية أو أدائها الإنمائي. أما النواب الحاليون والسابقون الذين كانوا يتكلون على علاقاتهم بضباط الاستخبارات، بدل ثرواتهم أو إرثهم العائلي، فلا يزال حضورهم رهن أجهزة الاستخبارات، لا شيء آخر. وسط هذا كله، برز منذ أكثر من عامين اللواء أشرف ريفي كظاهرة سياسية تشق بسواعد الرأي العام طريقها إلى الزعامة، وبدا من «طيبة ريفي الخدماتية» وحب حرفيّي المدينة وأهل أسواقها الكبير له وكرمه وفرحته بلافتات التأييد التي ولّت موضتها أن خرق الثنائية السياسية التقليدية والمالية المتحكمة بالمدينة أمر وارد جداً، في ظل تأكيد المطلعين على التاريخ الطرابلسي أن ظهور زعامات مماثلة أمر يتكرر كل عقدين أو ثلاثة.
كان في وسع ريفي أن يحشد حوله المحامين والمهندسين ومختلف المتخرجين الذين لا يبالي الإقطاع وحيتان المال بتوفير فرص عمل لهم. كان في وسعه أن يقلب فقراء المدينة ليقودهم ضد تكليفهم أثرى أثريائها بتمثيلهم مجدداً في مطبخ القرار الاقتصادي. كان في وسعه أن يحشد الناشطين الباحثين عن مؤسسة مستقبلية حزبية لا تيار تبويس «سكسوكة» أحمد الحريري. وبحكم الهامش الحريريّ الكبير المعطى له، كان ثمة أمل كبير بأن يجد ريفي خلفه سياسيين ونخباً وموظفين لا يعجبهم النمط السياسي والإداري القائم، وميقاتيين وصفديين وحريريين وعلويين ومسيحيين وعلمانيين ومتدينين وتكفيريين وملحدين، وما تبقى في المدينة من طبقة وسطى تخيفها لامبالاة الأعلى منها بتفضيل من هم دونها الانتحار على المضي في هذه الحياة، إلى جانب المستفيدين من مروحته الخدماتية الواسعة بحكم وظيفته السابقة.
بدل أن يستثمر وزير العدل مكاسبه (المعنوية) من أدائه الأمني بين عامي 2005 و2013 وفي ملف المحكمة الدولية في قيادة حالة واسعة وجديدة في المدينة، ترك حالة ضيقة وقديمة تقوده في أزقتها. بدل أن يجمع الجسر وميقاتي والصفدي وكرامي والأسر الكادحة التي ينحدر منها في شخصيته؛ آثر التعبير في خطابه عن كل من قادة المحاور والتكفيريين وأصحاب الخوّات وكتبة اللافتات حصراً. كان يفترض بمجموعات واسعة في المدينة أن تمشي خلفه، وإذا به يمشي خلف مجموعة صغيرة.
ضيّق ريفي المساحة التي كان يفترض أن يشغلها، محرقاً طلبات الانتساب إلى حالته بعدما عيّن قائد محور مسؤول تثقيف سياسي وتكفيري مسؤول تعبئة، وبلال دقماق مسؤول أنشطة. ها هو يقاتل على مئة جبهة طرابلسية وجبهة ليضمن ــ عبثاً، حتى الآن ــ حلوله محل النائب محمد كبارة على لائحة المستقبل. وها هو يلتزم في مجلس الوزراء الصمت المطلق لعدم امتلاكه حين يجد الجدّ ما يقوله: لا يدرس جدول الأعمال ويحضّر ملفاته على غرار الوزراء: جبران باسيل، نبيل دو فريج ووائل أبوفاعور، ولا هو قادر على المحاججة السياسية بعيداً عن التحريض المذهبي مثل زملائه نهاد المشنوق ومحمد فنيش ورشيد درباس. في ظل مواصلته اللعبة الإعلامية، مستغبياً الجمهور: وزير العدل يسأل أمس «أين صارت التحقيقات في محاولة قتل الوزير بطرس حرب؟» بدل أن يُعلم الرأي العام «أين صارت» وماذا فعل هو شخصياً. يشكك معاليه بخبر استشهاد محمود حايك في سوريا، طالما لم يجر فحص الحمض النووي للجثة؛ بدل أن يُعلم الرأي العام بما فعله كوزير للعدل على هذا الصعيد. وزير العدل يقول إن «قتلة الرئيس رفيق الحريري يسرحون ويمرحون في مكان معين» بدل أن يضع معلوماته بتصرف المحكمة الدولية وينسق معها ومع وزارة الداخلية لتكمن القوى الأمنية لهؤلاء. قبل أن يصنّف نفسه في خانة «قيادات الاعتدال السني»، من دون أن يوضح الفرق بينه تحديداً وبين المتشددين، بعيداً عن ولهه بالمنتجعات السياحية طبعاً. وها هو ريفي يذكّر من نسوا أن هناك 15 ألف شاب طرابلسي عاطلون من العمل، مكرراً أغنية المرفأ والمعرض والمطار ومصفاة النفط، دون إعلام أهل مدينته، وهم يعلمون كل ما سبق عما فعله هو شخصياً لتوفير فرص العمل ودفع هذه المشاريع الإنمائية إلى الأمام.
لا يختلف وزير العدل اللبناني اليوم عن داعي الإسلام الشهال وبلال دقماق وزياد علوكي وأصدقائه الآخرين. كان في وسع تجربته أن تكون مختلفة، إلا أنه فضّل اختيار جمهور صغير وترداد ما يطلبه بعض المستمعين.