قطعَ وزير العدل أشرف ريفي زيارته للخارج، وعاد الى لبنان للمشاركة خصّيصاً في الجلسة الثالثة لمجلس الوزراء، التي كان يفترض أن تناقش بند إحالة ملف الوزير السابق ميشال سماحة الى المجلس العدلي.
عاد ريفي وهو يعرف أنّ الجلسة التي يفترض أن تناقش، لن تناقش، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، والتهرّب من إحالة ملف سماحة الى المجلس العدلي بَدا غير قابل للتفسير إلّا في اتجاه محاولة من رئيس الحكومة تمّام سلام تَجنّب مشكلة مع وزراء «حزب الله» وحلفائهم الذين يرفضون الأمر، في حماية مكشوفة للحكم المخفّف الصادر عن المحكمة العسكرية، وفي توطئة لقرار محكمة التمييز، الذي يسرّب بعض أهل السياسة أنه سيتشدّد في إصدار الحكم بما يفوق الثماني سنوات سجناً لسماحة.
بالنسبة إلى وزير العدل كان القرار واضحاً منذ البداية، فالاعتراض على حكم المحكمة العسكرية لا يجدي نفعاً إن لم يقترن باتخاذ موقف عملي بسحب الملف من المحكمة ووَضعه في عهدة المجلس العدلي، وهو ما سيعني حكماً إعادة المحاكمة مجدداً، كذلك سيعني التوسّع في التحقيق، وعدم فصل الملف وتجزئته، ما سيصِل الى محاكمة من أرسلَ سماحة ومن كلّفه تنفيذ المخطط الإرهابي.
ولأنّ الملف لا يعني ريفي فقط، وهو الملتزم به وبقضية اللواء الشهيد وسام الحسن، لم يتصرّف منذ صدور قرار المحكمة العسكرية بنحو منفرد، بل وضعَ حلفاءه في الصورة، وقدّم الى مجلس الوزراء طلباً بإحالة القضية الى المجلس العدلي، وذلك بعد وقت قليل من صدور حكم المحكمة العسكرية المخفّف. لكنّ ذلك القرار وضِعَ في الأدراج، ولم يَخض احد معركة وَضعه على جدول الاعمال، وبقي نائماً الى أن أيقظَه قرار محكمة التمييز بإخلاء سبيل سماحة، الذي أحدثَ صدمة مدوّية.
ما لا يتوقف عنده كثيرون أنّ وزير العدل أرسل كتاباً تذكيرياً ثانياً الى مجلس الوزراء، يطلب فيه إدراج طلب نقل ملف سماحة الى المجلس العدلي، ونَفض الغبار عنه. وما لا يعرفه الرأي العام أنّ الرئيس سعد الحريري، الذي صَعقه قرار الإفراج عن سماحة، طلبَ من وزير العدل الإسراع في إعداد طلب إحالة سماحة الى المجلس العدلي.
وهذا الموضوع، كما بات معلوماً، كان متفقاً عليه في اجتماع الرياض الذي جمع الحريري مع الرئيس فؤاد السنيورة ووزيري العدل والداخلية أشرف ريفي ونهاد المشنوق والنائب احمد فتفت وآخرين، واتفق على ان يكون موقف وزراء «المستقبل» واحداً وصارماً في التعامل مع هذه القضية، تحت طائلة مقاطعة جلسات الحكومة اذا لم تقرّ نقل ملف سماحة من المحكمة العسكرية الى المجلس العدلي.
بعد العودة من الرياض، وضع البند 64 الشهير على جدول أعمال الحكومة. حصل الاجتماع الاول ولم يناقش، فالثاني والثالث حيث انفجرت الأزمة. يقول وزير العدل عن هذه المماطلة كثيراً، ويروي كيف توقّف النقاش في احدى الجلسات عند البند 63 ليَعمد بعدها سلام الى تأجيل الجلسة.
في الجلسة الثالثة، كان لا بد من اتخاذ موقف، وهو الذي اتخذه ريفي بعِلم مُسبق من جميع حلفائه. فالسكوت عن تمييع الملف يعني قطع الطريق نهائياً عن إمكان نقل ملف سماحة من المحكمة العسكرية، والركون الى وعود بنقض حكم محكمة تفتقر الى الصدقية، وهي وعود تشبه التطمينات التي أعطيَت غداة تغيير ضبّاط محكمة التمييز، التي تبيّن لاحقاً انها أقرب الى التخدير منه الى التطمين.
لا يريد وزير العدل أن يكون عنواناً لأيّ انقسام، معركته الاساسية كانت داخل مجلس الوزراء مع حُماة سماحة، الذين هم حُماة المحكمة التي أصدرت حكمها المخفّف عليه. ومن أجل هذا الهدف، يحضّر ريفي للخطوات المقبلة، التي سيسعى من خلالها الى استثمار كل الامكانات والاحتمالات، لمحاكمة سماحة ومَن وراءه، حفظاً لإرث الشهداء، وحماية لمَن يمكن أن يُضاف الى قافلة الذين رحلوا، منذ 14 شباط رفيق الحريري الى 27 كانون محمد شطح.