من الانتخابات البلدية الى النيابية، يستعد الوزير أشرف ريفي لخوض الاستحقاق النيابي من طرابلس أولاً الى الشمال والبقاع وبيروت. أشهر حاسمة على طريق العلاقة بين ريفي وتيار المستقبل وقاعدتهما الشعبية
لا تحدّ الاشهر الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات النيابية من استعداد الوزير أشرف ريفي لخوض هذا الاستحقاق. لا بل إن هذه الاشهر تبدو بالنسبة اليه ضرورية. فالجنرال الوزير الذي خاض غمار معركة طرابلس البلدية، وضع على الطاولة كل الاخطاء والعراقيل والمطبات التي صادفها في أول معركة حقيقية قام بها في وجه خصومه الكثر، والتي لم يكن لديه الوقت الكافي للاستعداد لها، وبدأ يستخلص سلبياتها وإيجابياتها، كي يخوض ثاني استحقاق «على طريق ترجمة شعارات قوى 14 آذار». والأشهر المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل ريفي وتيار المستقبل الذي بات وزير العدل ندّاً له في طرابلس، وقد يكون الحبل على الجرار.
لن تكون طرابلس، التي أعطت ريفي في استحقاق أيار ما لم تعطه لزعمائها التقليديين، وحدها ملعبه ليؤلف فيها لائحته النيابية كما اللائحة البلدية، أي لتمثل حقيقة المدينة بكل طوائفها، وتقدم شخصيات ونماذج متنوعة وخامات جديدة. فمن طرابلس الى عكار والمنية والضنية والبقاع الغربي والأوسط وبيروت، يدرس ريفي خياراته في خوض الاستحقاق النيابي المقبل، تأليف لوائح أو تحالفات مع قوى سياسية تشاطره رؤيته ومبادئ قوى 14 آذار. يختار هذه المناطق بوصفها خزاناً لتيار قوى 14 آذار، كما حال طرابلس التي أعادت تثبيت نتائج انتخابات عام 2005، «وتمثيل قوى 14 آذار وثوابتها التي خرج عنها الحريري فخرج من ضمير أهلها كمرجعية. وإذا استمر هذا الزخم، فسيستثمر ذلك عام 2017 في مناطق أخرى». هو بذلك يعطي إشارة الانطلاق لمعركة لن تكون هذه المرة وليدة الصدفة كما قيل عن المعركة البلدية في طرابلس، أو غير مكتملة العدة والماكينة الانتخابية كما جرى عشية انتخابات أيار الفائت.
طرابلس أكّدت ثوابت قوى 14 آذار التي خرج عنها الحريري فخرج من ضمير أهلها كمرجعية
ينطلق ريفي من الإحصاءات والارقام التي كانت السبب في خوض انتخابات طرابلس. فالمدينة تنتمي بنسبة 70 في المئة الى تيار 14 آذار و30 في المئة الى تيار 8 آذار. لكن بقدر ثبات المدينة على مواقفها وانتمائها السياسي، كان تيار المستقبل يتراجع على ثلاثة مستويات: «العصبية والرمزية والشعبية». فأحياء طرابلس الشعبية الخمسة هي خزان المدينة ونبضها. ولأن طرابلس تمثل المزاج السنّي العام، تحول تراجع تيار المستقبل فيها مفصلاً أساسياً في حياة التيار وفي مسار ريفي السياسي. فمن تمثيل يتراوح بين 42 الى 47 في المئة، عام 2012، تراجع تمثيل التيار الشعبي الى نحو 30 في المئة، بفعل سفر الحريري وعدم اهتمام التيار بالمدينة. ومع ترشيح الحريري للنائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، كان الانهيار القوي الذي ترجم في الانتخابات البلدية، بهذا الفشل الذريع، علماً بأنه عشية الانتخابات التي قرر خوضها باختيار ودعم نماذج من المجتمع المدني تمثل حقيقة المدينة ونبض شارعها، كانت نتائج الاستطلاعات تشير الى انخفاض شعبية الحريري الى الحد الادنى، كما كانت حال القوى الاخرى ومنها الرئيس نجيب ميقاتي، وهو ما أثبتته نتائج الانتخابات البلدية بالارقام.
لا تزال انتخابات طرابلس بأرقامها ودلالاتها المعبر الاساسي لمعركة ريفي المستقبلية، «لأنها أعطت مؤشرات عن سلطة المال التي لم تنفع في طرابلس، لا بل إن الارقام التي تُعطى عمّا دفعه ميقاتي والوزير محمد الصفدي وتيار المستقبل، أثبتت أنها ذهبت هباءً. ولأنها أيضاً دلت على أن الشارع يحتاج الى قيادة، ولأن المزاج الشعبي يختلف عن القرار السياسي بترشيح فرنجية أخيراً الذي جاء من فوق منقلباً على كل أدبيات التيار وطروحاته السياسية».
أمام ريفي وفق ذلك عدة أشهر، يستعد فيها لخوض الاستحقاق النيابي، مع درس كل الاحتمالات، القانون الانتخابي، والتحالفات، سواء في طرابلس أو الدوائر الاخرى في الشمال وخارجه. ومن بين هذه التحالفات، يبرز السؤال عن القوات اللبنانية. فهل تعقد تحالفاً مع ريفي الذي وقف في وجه ترشيح فرنجية وثبت في الدفاع عن «قيم 14 آذار»، علماً بأن الجو القواتي كان داعماً لريفي في معركته، أم انها ستخوض معركتها مع تيار المستقبل؟ إضافة الى أن السؤال يطاول أيضاً بعض قيادات الشمال التي اكتشفت الثغر ومكامن الربح والخسارة في معركة طرابلس.
لا يلوّح ريفي بخوض هذا الاستحقاق من باب الخلافات مع الرئيس سعد الحريري التي وصلت الى حدّ لا يوحي بأنها ستحل في المدى المنظور، بل من باب إعادة تصويب مبادئ قوى 14 آذار التي دافع عنها في أصعب المراحل حين كان في منصب المدير العام لقوى الامن الداخلي، علماً بأن خلافه مع الحريري مستمر، وله رأي واضح في ثلاث شخصيات «غير كفوءة من بطانة الحريري، صارت معروفة»، يحمّلها مسؤولية الفساد والتقهقر اللذين وصل اليهما تيار المستقبل. فالعلاقة مع الحريري بلغت نقطة اللاعودة بسبب تناول ريفي «بالشخصي» وليس بالسياسة. فهو لم يقطع العلاقة معه عندما رشح النائب سليمان فرنجية، بل تباعد معه بالموقف واستمر في التواصل معه هاتفياً والتقاه في الرياض. ما قطع العلاقة نهائياً موضوع الوزير السابق ميشال سماحة وما حصل حينها والهجوم من «معروفين» على ريفي عبر حساب «تويتر» العائد للحريري. لن يلتقي ريفي الحريري بعدما تضافرت العوامل السياسية بالشخصية، لكنه على تواصل مع شخصيات من تيار المستقبل، لا يزال يلتقي معها «على الأفكار نفسها». عشية طاولة الحوار، اتصل ريفي بالرئيس فؤاد السنيورة، مؤكداً «الوقوف الى جانبه في طاولة الحوار، لأنه لا يفرط بالمبادئ بل يثبت فيها».