باتت استقالة أشرف ريفي خلف ظهر الجميع، وكأنها لم تحصل أصلا. يظنّ كثيرون أنها كانت «ضربة معلّم» من الوزير المغضوب عليه من أهل بيته. تحت سقف حكومة مهترئة من الداخل وتنازع لكي تستمر وتنتج، كيف يمكن أن تقود استقالة وزير الى تعيين بديل منه في غياب رئيس الجمهورية؟
خصوم «اللواء» يجزمون بأنه نجح في تسديد هدف في مرمى حلفائه، ذاهباً الى حدّ تنصيب نفسه آخر «الجنود» في معسكر «الحريريّين الأصليين»، محتفظاً في الوقت عينه بدوره وموقعه وتوقيعه في وزارة العدل.
لم يكن أمام الرئيس سعد الحريري الكثير من الخيارات، تماما كما الرئيس تمام سلام. الأول رفض خطوة ريفي شكلاً ومضموناً لأن خيار «تيار المستقبل» ليس الاستقالة من الحكومة، لكنه لم يكن بوسعه الإيعاز لسلام بقبولها ما دام تعيين البديل «مشروع مشكل» مع أن الاسم جاهز، ولأن استمرار الوزيرة بالوكالة أليس شبطيني في أداء مهامها من شأنه أن يضيّع من يد «المستقبل» حقيبة العدل وملفّاتها الحسّاسة. الرئيس سلام من جهته ذهب نحو أهون الشرور، طالباً من ريفي تصريف الأعمال وتسيير المرفق العام. من دون أي تلكؤ تقمّص الوزير دور الحكومات التي تستقيل ليدخل مدار «التصريف».
آخر الكلام في موضوع استقالة ريفي هو الآتي: ما دامت الاستقالة الخطية التي تقدّم بها لم تقبل، فالوزير يسيّر أعمال وزارته لكن «عن بعد». لا يداوم في قصر العدل، ولا يحضر جلسات مجلس الوزراء، ولا يلبّي الدعوات لمشاركته في مناسبات سياسية أو قضائية وكأنه وزير أصيل.
ما عدا ذلك، يتحرّك ريفي في كل الاتجاهات. قصر العدل افتتح «فرعاً» صغيرا له في الأشرفية حيث مكتب ومنزل الوزير المستقيل، يوقّع القرارات الكبيرة والصغيرة، ويدير فريق عمله الذي يتنقّل جزء منه بين المتحف والسان جورج تاور. وآخر دفعة من جهوده كوزير مستقيل الطلب من المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود التحرّك فوراً لاستقصاء هوية المسيئين الى السعودية، بعد رفع لافتة جل الديب، تمهيدا لتوقيفهم والتحقيق معهم واتخاذ العقوبات بحقهم!
لا يعتبر ريفي أن ما يحصل هو التفاف على المغزى السياسي للاستقالة كونه لم يعد الى مكتبه في وزارة العدل ولم يستأنف مشاركته في جلسات مجلس الوزراء ولأنه لن يتراجع عن استقالته. مؤيّدوه يجزمون في هذا الإطار بأنه، إضافة الى الرفض الثنائي من قبل الحريري وسلام للاستقالة، فإن «الجوّ» السعودي يصبّ في إطار اعتبار ريفي من الصقور الذين لا يجوز التصرّف معهم بهذه الطريقة وبأنه سيشكّل «خسارة» في حال خروجه نهائيا من الحكومة.
والأجواء التي تصل الى ريفي حيال موقف الحريري الحقيقي منه متضاربة. هبّة باردة تنقل تمنّياً بالعودة عن الاستقالة والتأكيد أن الوزير المستقيل «منّا وفينا»، وهبّة ساخنة تدلّل على أنه كان «حملاً ثقيلاً» ونزل عن ظهر «المستقبليين» والتصرّف بما يوحي بالنية باستبعاده وتحجيمه وعزله.
ويبدو أن مؤيّدي ريفي يعوّلون على صدور حكم متشدّد من جانب محكمة التمييز العسكرية في قضية ميشال سماحة كي يُعاد النظر في قرار الاستقالة، إلا أن أوساط الوزير المستقيل تؤكّد أن هذا الأمر إن حصل «فسندرس الموضوع»، ولكن بمطلق الأحوال فإن التراجع عن خطيئة تخفيف الحكم وإطلاق سراح سماحة سيكون نتيجة مباشرة لموقف ريفي الحاسم عبر وضع الجميع أمام مسؤولياتهم…
لكن ماذا عن الوزيرة أليس شبطيني التي اعتبرت نفسها، بحكم القانون، هي المخوّلة تسيير أعمال وزارة العدل بالوكالة بعد تقديم ريفي استقالته وفقاً للمرسوم 11260؟
تقول شبطيني لـ «السفير»: «لا أريد أن أدخل في جدل قانوني حيال هذه المسألة، لكن لا شك بأن استئناف ريفي لأعماله في وزارة العدل هو قرار سياسي بالدرجة الأولى لأنه يتّصل بالتوازنات الطائفية داخل الحكومة. لم يعد الجدل ينفع لان مصلحة الناس تقتضي التخفيف عنهم. وبالتالي في اللحظة التي يغيب فيها الوزير لأي سبب كان سأقرّب وأمارس أعمالي بالوكالة، وحين يقرّب سأبتعد. أنا لست بوارد أعمل مشكلاً في البلد».
تضيف شبطيني «قد يقوم اليوم أي متضرّر ويطعن في قرارات ريفي الصادرة عنه وهو بحكم المستقيل كونها مخالفة للقانون، لكن أنا لن أفعلها. الجدل القانوني لا ينفع حاليا»، مؤكّدة ان «وزارة العدل لن تفرّق بيني وبين ريفي».