التحقيقات في الفساد تؤثر في ترقيات قوى الأمن
سرقت أزمة «أمن الدولة» الأضواء من القضية التي خفت ضجيجها فجأة في قوى الأمن الداخلي. التحقيقات في مزارب الفساد في المديرية مستمرة ببطء لا يشبه «الفوعة» الإعلامية التي رافقت الكشف عن اختلاسات وارتكابات فاضحة في عدد من أقسام المديرية ونهب ميزانيتها في نهاية آذار الماضي.
بعد أشهر من التحقيقات، وقّع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص على قرار عقوبة مدّتها 30 يوماً بحق المساعد الشخصي، في قوى الأمن وفي وزارة العدل، للوزير المستقيل أشرف ريفي النقيب محمد ر. الذي ارتبط اسمه بفضيحة المازوت في مديرية قوى الأمن.
وفيما يفرض قانون قوى الأمن الداخلي شطب اسم أي ضابط ينال عقوبة من 30 يوماً وما فوق، عن جدول الترقيات، وفيما يتوجّب توقيع مراسيم الترقية من جانب مجلس الوزراء (نيابة عن رئيس الجمهورية) حتى نهاية الشهر الحالي، فإن المعلومات تفيد بأن ريفي يمارس ضغوطاً بغية إيجاد فتوى لتثبيت ترقيته الى رتبة رائد في اول تموز المقبل.
وتفيد المعلومات، أن وزير العدل تواصل مع وزير الداخلية بطريقة غير مباشرة قبل وصول المراسيم الى الحكومة، وذلك في عملية شدّ حبال للضغط على المشنوق لعدم توقيع مرسوم شطب النقيب محمد ر. عن جدول الترقية قبل توقيع مرسوم ترقيته الى رتبة رائد، مع العلم أن العقوبة أصبحت نافذة، ولا يستطيع وزير الداخلية وقفها، حتى لو أراد ذلك، وهي تدبير من جانب المدير العام، وتؤدي حتماً، بحسب قانون قوى الأمن، الى حذف النقيب ر. عن جدول الترقيات.
وقد ورد في البيان التنفيذ «الصارم» للعقوبة المسلكية بحيث يلتزم البقاء في منزله لمدّة شهر كامل، ويفصل بعض العناصر لمراقبته والتأكّد من عدم خروجه منه، في حين أن العقوبة العدلية كانت ستفرض سجنه في غرفة التأديب في سجن المديرية. وبعد توقيع النقيب ر. على العقوبة، لديه مهلة أربعة أشهر للبدء بتنفيذها.
يُذكر أن ضغوط الوزير ريفي سابقاً سمحت بوضع اسم النقيب ر. على جدول الترقيات في العام الماضي، برغم شبهة تورّطه بملف المازوت، وبعد إصرار ريفي على عدم التوقيع في حال لم يتضمّن الجدول اسم كاتم أسراره ومرافقه، وُجِد المخرج باتفاق مجلس القيادة على ترقية كل الضباط من رتبة نقيب من دون استثناء، وكان عددهم 166، مع العلم أن من بينهم مَن كان لا يستحق الترقية لوجود عقوبات بحقه.
وكانت النتيجة أن كل من «رقّاهم» النقيب ر.، بشكل غير مباشر، سيستحقون ترقياتهم بدءاً من أول تموز، فيما العقوبة التي صدرت بحقه ستحرمه الترقية الى رتبة رائد.
كان لافتاً للانتباه بعد بدء الكشف عن حالة الهريان والفساد والاختلاسات بالمليارات في قوى الامن، فتح وليد جنبلاط، عبر «تويتر»، النار على وزير الداخلية نهاد المشنوق. آنذاك حصر المقرّبون من الزعيم الدرزي الأزمة بـ «الغبن اللاحق بالشرطة القضائية وما يحصل من تمريرات في مسألة التحقيقات المفتوحة في قوى الامن وأوجه صرف النفقات السرّية، خصوصاً لدى سماع وزراء من خارج الكتلة الاشتراكية يؤكّدون بأن المخصّصات تُسرق».
وبهدوء، سُحب فتيل الأزمة بين المشنوق وجنبلاط. سكت الأخير عن النفقات السرّية وعن تحقيقات قوى الامن التي اعترف أنها «تُدار باستنسابية»، وقال كلامه الأخير «إذا كان العميد ناجي المصري قائد الشرطة القضائية مرتكباً فأدينوه».
لم يلقَ الاقتراح الجنبلاطي أي صدى. هكذا هو وليد جنبلاط يولّعها ثم يتناسى ما اقترفته تغريداته في العالم الافتراضي.. كما الواقعي.
اليوم يخلو حساب جنبلاط على «تويتر» من أي انتقاد لما يجري في أروقة المديرية، على الرغم من إقرار كثيرين بأن أزمة الثقة بين جنبلاط و «تيار المستقبل» صارت أكثر وضوحاً، خصوصاً بعد الانتخابات البلدية الأخيرة.
وفي ظل إرادة جماعية بعدم الاستمرار في نشر الغسيل الداخلي، رفض العميد المصري مؤخّراً تنفيذ قرار صادر عن اللواء بصبوص بفصل 100 عنصر من أصل ألف رقيب تمّ تخريجهم مؤخراً، احتجاجاً على الحصة غير المتناسبة مع المهام الملقاة على عاتق الشرطة القضائية والتي تشمل تقريباً كل الاختصاصات، من قسم «المباحث الإقليمية» الى «المباحث الجنائية» و «المباحث العامة»(مخدرات، قمار، مكتب آداب والاتجار بالبشر) و «المباحث المركزية» تابع للنيابة العامة التمييزية وقسم الإرهاب…
تزامن هذا الرفض مع ترك المصري المجال للوساطات أن تأخذ مداها من دون تشنّجات قد تنعكس سلباً على وضع المؤسسة.
كما أن العميد المصري، المقرّب من جنبلاط، قَبِل على مضض فصل 20 عنصراً قبل فترة لجهاز «الشرطة» من أصل 900 توزّعوا على باقي وحدات قوى الأمن. مع ذلك، تبدو الأمور هادئة في المديرية وثمّة من يعمل على خط المشكلة العالقة بين المصري والمديرية، فيما يردّد قائد الشرطة القضائية ضرورة «الحفاظ على المؤسسة وعدم تعريضها لمزيد من الاهتزاز والرجم».
يكتمل حبل المآخذ «الصامتة» مع التساؤلات حول وضع العقيد ن. ب. ن.، الضابط الدرزي الموقوف في قضية الاختلاسات المالية في قوى الأمن الى جانب ضباط وعناصر آخرين.
الضابط في مصلحة الآليات الذي أُحيل الى المجلس التأديبي قبل انتهاء فترة الـ 40 يوماً من توقيفه مسلكياً بموجب قرار موقَّع من وزير الداخلية، ما أدى عملياً الى إبقائه حبيس الزنزانة في المديرية، كان طلب اثناء التحقيق معه رفع السرية المصرفية عن حساباته وحسابات كل من يخصّه. وهو يدرك، وفق مقرّبين منه، أنه ضحية «اشتباك سياسي» لا علاقة له به، فيما تفيد المعلومات بأن مديرية قوى الأمن لم تطلب من هذا الضابط إرجاع أي مبلغ من الأموال بعكس باقي الضباط والأفراد، وقد رُفضت كل الطلبات لإخلاء سبيله.
ويروي متابعون للقضية أنه بتاريخ 4-4-2016 استمع القاضي شربل ابو سمرا إلى العقيد ن. ب. ن. وسأله عن التحقيقات التي أجريت معه من قبل العميد عادل مشموشي، وقد تدخّل المؤهل أول ب. ح. الذي كان موجوداً ليشير بالإصبع الى مسؤولية العميد ل. ت. (أحيل إلى التقاعد وكان عقيداً آنذاك) في الارتكابات المنسوبة الى ن. ب. ن. لكونه المسؤول الأوحد في قسم الآليات خلال الفترة التي حصلت فيها الارتكابات «لكنها الصقت بالعقيد ن. ب. ن. من دون أي دليل».
ويؤكّد هؤلاء أن العقوبة المسلكية التي فرضت على ن. ب. ن. كان موضوعها رئاسة مصلحة الآليات (تسلّمها من مطلع العام 2012 وحتى نيسان 2013) فيما لم يكن الأخير في حينها رئيساً للمصلحة بل كان قبله العميد خ. والعميد ت. وقد حصلت التحقيقات في فترتها»، ويشيرون الى أن «ن. ب. ن. قد سلّمته المديرية لجنة برئاسته بعد انتقاله من مصلحة الآليات الى قسم الطوارئ (يداوم فيه منذ ثلاث سنوات) لاسترداد دين للتجار من قوى الأمن الداخلي بقيمة 4 مليارات ل.ل. وما يزال حتى اليوم رئيساً للجنة».
ولا ينسى هؤلاء التذكير بحملة التشهير التي تعرّض لها ن. ب. ن. في بعض وسائل الإعلام قبل توقيفه عبر الإيحاء «بأن ثمّة ضابطاً محسوباً على النائب وليد جنبلاط من المشتبه فيهم في الاختلاسات ولم يتمّ توقيفه بعد»، فيما لم تعط المديرية الاذن سابقاً للعقيد ن. ب. ن. لملاحقة المحطات المعنية بعملية التشهير.
يذكر أنه قبل 4 أيام من توقيف العقيد ن. ب. ن. مسلكياً، اتصل به العميد مشموشي طالباً منه تشكيل لجنة برئاسته «وتشمل 4 رتباء أوادم للنظر في ملفات الدراجات النارية».