برهَن وزير العدل أشرف ريفي خلال أدائه الوزاري والسياسي أنّه صاحب مبادرة ويمسِك بزمام الأمور؛ هو قادرٌ على التحرّك وفقَ هوامش واسعة تؤمّنها شخصيتُه الحازمة المتلازمة مع المرونة السياسية، وهي ميزةٌ قد لا يتمتّع بها نُظراؤه في الحكومة، وهو يتميّز بحيوية سياسية مفقودة في أوساط تيار «المستقبل» في طرابلس.
بعدما خبا نجم ريفي لفترة نتيجة الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، وظنَّ البعض بأنّ دوره قد انتهى عملياً، أعاد ريفي توجيه البوصلة السياسية لخيارات «المستقبل» من خلال موقفه الصلب من الحُكم المخفّف الذي أصدرَته المحكمة العسكرية بحقّ ميشال سماحة المتورّط في مخطط إرهابي كبير، وتبعَه تأييد الرئيس سعد الحريري لتأكيد صوابيّة هذا الموقف خارج مندرَجات التهدئة السياسية مع «حزب الله».
الأمر نفسُه تكرّر مع ما يسمّى معالجة الوضع الأمني في منطقة عرسال، حيث عكسَ ريفي موقفاً متقدّماً على هذا الصعيد بعدما حاوَل «حزب الله» جرَّ الجيش والدولة إلى عرسال وجرودها وإغراقها في مستنقع، وحول التدخّل في الأحداث السورية من بوّابة الفتنة.
في ظلّ المواقف الحاسمة والخطوات المتصاعدة لحركة ريفي، سجّل أخيراً على المستوى المحلّي مبادرة ستكون لها تداعياتها في طرابلس. فعشيّة ذكرى استشهاد الرئيس رشيد كرامي، زارَ ريفي منزلَ آل كرامي من بوّابة المهندس معن كرامي على رأس وفدٍ مِن مكتبه، وهذا الأمر فسّرَه البعض على أنّه كسرُ الحصرية السياسية للوزير السابق فيصل كرامي عند دخوله حكومة «حزب الله» الإقصائية من حصّة الطائفة الشيعية؛ وكان عمّه معن قد أطلقَ صرخةً مدوّية حينَها رافضاً التوزيرَ بالشكل والمضمون في وجهِ شقيقه الأصغر الراحل عمر كرامي.
وقد حاوَل فيصل كرامي تجاهلَ هذه الحالة الاعتراضية داخل زعامة محليّة لها وزنُها التاريخي في طرابلس، مفترضاً أنّ الأمر قد حُسِم لصالحه لمجرّد دخولِه النادي السياسي عبر «حزب الله»، وهو انطلقَ بعملِه كونه امتداداً طبيعياً لزعامة آل كرامي وتأثيرهم السياسي، وبعدها حاوَل الإيحاءَ بأنّه بيضةُ القبّان بين تيار «المستقبل» والرئيس نجيب ميقاتي في النزاع السياسي على أرض المدينة السُنّية الأبرز في لبنان، وبوّابة العبور لكلّ طامح إلى شغل المقعد الثالث في السراي الحكومي؛ وأوحى مراراً بأنّه قادرٌ على ترجيح الكفّة السياسية بين «المستقبل» وميقاتي، لتأتي زيارة ريفي وتؤشّر لدور معن كرامي بوصفِه «الضمير» والمؤتمن على هذا الإرث وتلك الزعامة.
وحدة الموقف
الزيارة في طرابلس وفق المراقبين لن تمرّ مرور الكرام، فريفي أثنى، وفقَ البيان الصادر عن مكتبه، على جهود كرامي للتمسّك والبقاء على نهج الشهيد رشيد كرامي. على أنّ مصادر مواكِبة كشفَت لـ«الجمهورية» أنّ الزيارة والنقاش السياسي الذي تخَلّلها «أكّد وحدة الموقف حيال عدد كبير من القضايا المحلية والإقليمية، خصوصاً في ظلّ العلاقة الشخصية والعائلية الوطيدة التاريخية التي تربط بين ريفي ووليد معن كرامي، وبالتالي سادَت الاجتماع اجواء متقاربة جداً وربّما متطابقة، خصوصاً لجهة التشديد على إبعاد لهيب الحريق السوري عن الساحة اللبنانية واستنكار قتال «حزب الله» في الداخل السوري».
وقالت المصادر إنّ «الحدَث السوري والتطوّرات هناك نالت قسطاً وافراً من النقاش، وقد برَز موقف المهندس معن كرامي الداعي إلى عدم زجّ لبنان في أتون القتال الداخلي السوري ولعدم الإساءة إلى العلاقة التاريخية والأخوية مع دول الخليج العربي، إذا لطالما كان لبنان الرسمي والشعبي وفياً لمن وقفَ إلى جانبه في المحَن وأحسنَ ضيافة أبنائه وسهّل لهم فرَص العيش والعمل عندما ضاقت السُبل في وطنهم لبنان.
وقال: ليس مِن أعرافنا اللبنانية أن نرميَ الحجر في بئر ماء شربنا منها، والإساءةُ لأشقائنا ليست من قيَمنا وأخلاقنا، ولطالما كان لبنان الشقيقَ الأصغر الذي يَجمع العرب على موقف جامع ولا يُفرّقهم».
بدوره، استشهد ريفي مراراً بأداء الشهيد الراحل رشيد كرامي، خصوصاً وسط السجالات السياسية الدائرة، مشدّداً على صون الدولة ومؤسساتها، وتحديداً الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى للعبور بلبنان نحو شاطئ الأمان. وشدّد ريفي على أنّ طرابلس وفيّة لمَن يَعمل لها ويُضَحّي من أجلها، لافتاً إلى محاولة بعض الأطراف استهدافها بشتّى الأشكال لموقفِها السياسي المبدئي، لا بل سعيه لإحداث اضطرابات أمنية لجعلِ أبنائها ينزفون سواءٌ من خلال تفجير المسجدين أو عبر جولات القتال واستنزاف وضعِها الامني، معرباً عن تفاؤله بمستقبل المدينة بعد إيقاف نزيف الدم وإطلاق عجَلة المشاريع الاقتصادية وتأمين فرَص العمل في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب والأزمات المعيشية المتعددة»، معتبراً أنّ المنطقة الاقتصادية ليست سوى نموذج لانطلاق عجَلة تنمية حقيقية تعمل عليها الحكومة الحاليّة، فيما غابت عنها حكومة ميقاتي الإقصائية على رغم وجود 5 وزراء دفعة واحدة من المدينة.
الريفي «يقطفها»
في اللحظة المؤاتية «قطفها» ريفي، وفق المقرّبين والمَثل اللبناني الشائع، وبعدَما خَفتَ نجم عائلة آل كرامي على الساحة السياسية مع رحيل الرئيس السابق عمر كرامي، قصَد ريفي عشية الذكرى الـ 28 لاستشهاد «الرشيد» منزلَ الشقيق الأكبر معن كرامي، في زيارة تحمل في التوقيت والمضمون رسائلَ عدّة.
في الشكل، عاد نَجم ريفي السياسي ليلمعَ بعدما خفَت مع بداية الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل»، حين برهنَت ردّة فعلِه العفوية بعد جلسة مجلس الوزراء إثر صدور الحُكم على سماحة أنّه لم يستشِر أحداً، وأتى خطابُه طبيعياً نابعاً من القلب ومن قناعاته السياسية، ولم يتمعّن في اللحظة السياسية قبل التصويب على الجميع، بل أخذَ في الاعتبار دماءَ الشهداء، وخصوصاً دم صديقه الشهيد وسام الحسن، فعادَت الشاشات لتمتلئ بمواقف ريفي وتحليلاتها وتبِعاتها، بل إنّه أحرَج حتى تيّارَه وجرَّه لتأييد موقف عالي السقف.
اليوم وفي قمّة صعود نجمه، قصَد ريفي عائلة آل كرامي العريقة التي غابت منذ فترة عن شاشة الساحة السياسية بإرادة منها أو ربّما لخطأ ما في خياراتها السياسية أو لأسباب بحتِ داخلية أو عائلية.
إمتعاض ضمني
أمّا في المضمون فقد لا تَروق الزيارة لكثيرين، فيما يَعتبر المراقبون أنّ الوزير السابق فيصل كرامي سيَمتعض ضمناً منها بعدما أشارت مدلولاتها بأنّها تصَوّب البوصلة وتتّجه إلى رأس العائلة الشقيق الاكبر، معن كرامي، في حين لم ينسَ فيصل كرامي بعد الإساءة التي سبّبَتها الدعوة التي وجَّهها عمُّه إلى والده الراحل عمر كرامي حين سأله «ماذا فعلتَ يا عمر؟»، رافضاً دخولَ فيصل حكومة ميقاتي وتمنين السُنّة بمقعد وزاري شيعي تُرك لهم «حسنة».
ويبقى المشهد العام لقطار ريفي الذي يَسير ولم يتوقف إلّا على المحطات الأساسية لتعبئة الوقود، وهو سجل النقاط جيّدا وطنياًً، وها هو اليوم مجدّداً يُسجل النقاط السياسية، لكن هذه المرة داخلياً في عقر داره وفي المدينة الأحَبّ إلى قلبه. فهل ينجح في إزالة الشَمع الأحمر المختوم للوجود الكرامي السياسي على الساحة الطرابلسية؟!